آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

الموقف الشجاع

محمد أحمد التاروتي *

تعكس المواقف القوية جانبا من شخصية المرء، ومدى قدرته على ادارة الازمات بالطريقة المناسبة، خصوصا وان الموقف الضعيف او المتذبذب، يفتح المجال امام الاخر، لممارسة المزيد من الضغوط، وبالتالي التحرك باتجاه ممارسة الابتزاز بمختلف اشكاله، من اجل الحصول على الكثير من المكاسب، بمعنى اخر، فان قطع الطريق امام الاخر، للتفكير في الاستيلاء على الساحة الاجتماعية، او الحصول على المكاسب المالية، مرتبط بنوعية الموقف المتخذ.

الازمات تمثل الميدان الحقيقي، لإنضاج المواقف الصائبة، والشجاعة في الوقت نفسه، فالطرف الذي يمتلك سلاح الصبر، وصفة الروية، في اصعب الازمات، بامكانه التحكم في الأزمة بشكل كامل، مما يجعله قادرًا على الخروج من الأزمة منتصرا، نظرا لتجاهله التام لمختلف انواع الاستفزازات من الخصم، بمعنى اخر، فان المواقف الصائبة مرتبطة بامتلاك اعصاب باردة في احلك الظروف، مما يوفر المناخ لدراسة الوضع بشكل كامل، وبالتالي الخروج بتصور متكامل وواضح تماما، الامر الذي يفتح المجال لوضع الخيارات المناسبة، لمعالجة الازمات باقل الخسائر.

الموقف الشجاع ليس مدعاة للتسرع، وانتهاج سبيل الارتجالية، وعدم تقلب الامور، في مختلف الجوانب، فالارتجالية تترك اثارا سلبية، وتكشف في احيان كثيرة نقاط الضعف، الامر الذي يتطلب وضع كافة الاحتمالات في الاعتبار، من اجل دراسة الموقف، ومدى تأثيره على المدى القصير، والمتوسط، والبعيد، لاسيما وان بعض المواقف ليست مرتبطة بالظرف الآني، بقدر ما تستهدف المرحلة المتوسطة والبعيدة، بمعنى اخر، فان البعد الاستراتيجي في المواقف عنصر حيوي، في معركة

الإرادات ومختلف الازمات، فالطرف الذي يفتقر للنظرة البعيدة، يترك الفرصة للخصم لتوجيه الضربة القاضية، مما يستدعي استبعاد المواقف الانفعالية، نظرا لآثارها السلبية على صوابية المواقف المتخذة.

دراسة البيئة الاجتماعية، والظروف السياسية، والأوضاع الاقتصادية والحالات النفسية للخصم، عناصر اساسية لتشكيل الرؤية الواضحة لنقاط القوة والضعف، لاسيما وان الدخول في المعارك بدون امتلاك الأسلحة القادرة، على تحقيق الانتصار بمثابة الانتحار، بمعنى اخر، فان الموقف يتطلب اللعب بمختلف الاوراق المتاحة، لتسجيل النقاط على الخصم، لاسيما والطرف الاخر لا يدخر وسيلة لتحقيق اختراقات حقيقية، مما يجعل يده الطولى في التحرك بحرية، وممارسة المزيد من الابتزاز، وبالتالي كسر الموقف لدى الاخر، وفرض الشروط المذلة.

ردود الأفعال غير المدروسة آفة خطيرة، تصيب البعض بمجرد بروز بعض الازمات، سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي، فالسيطرة على الانفعالات يساعد على انتهاج سياسة التوازن، في المواقف الصائبة، مما يفوت الفرصة على الخصم في اتخاذ المواقف الارتجالية، لاسيما وان ردات الافعال تتسم في الغالب بالفوضوية، وعدم العقلانية، جراء غياب النظرة الموضوعية للأزمات، وبالتالي فان القضاء على آفة ردات الفعل، يسهم في خروج المواقف الناضجة، والقادرة على احتواء الأزمة، بطريقة مثالية.

التحكم بمسار الازمات، مرتبط بالقدرة على امتلاك الخيارات الصائبة، فالموقف السليم يحدث في النفوس قدرات هائلة، بحيث تترجم على شكل افعال شجاعة، وغير متوقعة من الخصم، فيما الخيارات الخاطئة تحدث في النفوس حالة من الانهزامية، مما يترك الطرف المقابل للانقضاض، والحصول على المكاسب، والخروج من المعركة منتصرا.

كاتب صحفي