آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

في رحاب فكر الإمام المجتبى

السيد فاضل علوي آل درويش

كلمات حبيسة في فكرنا:

ورد عن الإمام الحسن المجتبى : «نِعْمَ العَونُ الصَّمْتُ في مَواطِن كَثِيرة وَإِنْ كُنْتَ فَصِيحا» «بحار الأنوار ج 71 ص 280».

تعجل النطق بكلمة يجعلنا تحت طائلة المسئولية عنها، وكم من كلمة ألحقت بصاحبها ضررا كبيرا لم ينفع معها عض الأنامل ندما وتحسفا، وهذا ما يدعونا إلى التروي وإنضاج أي كلمة هادفة ومناسبة حتى تقع في موقع التأثير، وإلا فإن الصمت يكسو المرء نضجا ووعيا ومعرفة بالأحداث والمفاهيم وقراءة لشخصية ومستوى تفكير الطرف المقابل.

ونصمت أحيانا لأننا لا نرى الآخر له أهلية وقابلية الفهم أو التأثير، وقد تكون الكلمة صادقة ولكن الصمت عن التفوه بها درءا لما ينجم عنها من خطر وفتنة وشقاق، وقد يكون صمتنا طلبا لمعرفة طريقة تفكير الآخر ومستواه الثقافي، فنتقن فن الاستماع إليه حثا له على مواصلة الحديث بإسهاب.

وقد يكون صمتنا إعراضا عن إهدار رأس مالنا وثروتنا الغالية وهي وقتنا، فلا نهدره في الجدال العقيم والنقاشات الطائشة والفارغة، فالبعض يتكلم لمجرد الكلام فيشرق ويغرب ويستعرض التوافه والقضايا غير المهمة، فالأولى للأريب أن يصمت فلا يخوض لجاج الهدر الوقتي كما نلقاه كثيرا اليوم في جلسات تطول بالساعات دونما هدفية ولا نتاج.

ونصمت حفاظا على من حولنا ويمنحونا حبهم وثقتهم، وذلك في لحظات انفعال أو مواجهتنا لضغوط الحياة ومتاعبها أو عند دخولنا في حوار بدأ في الحدية والسخونة، فنخاف من تطوره إلى شجار وخلاف فنقطع الطريق على الشقاق بالصمت، طلبا لتهدئة النفوس وتبريد الأجواء السائدة واستعادة توازننا الفكري والوجداني، أفلا يكون صمتنا حينها ممدوحا لئلا تنطلق ألسنتنا بكلمات جارحة تؤذي من يحبنا وتكسر خاطره، فالمواقف الساخنة تعمل على تجفيف منابع العاطفة الصادقة وتدخلنا في دهاليز الخلافات والمشاحنات، فنتجنب المهاترات بصمتنا.

وشهوة الكلام والضرب على وتر كل حادثة وموضوع يبقي العقل مشغولا ومشتتا بينها، ولذا نصمت لنبقي مساحة وافرة من عقولنا تستقي وتستقر فيها المعارف والدروس المفيدة.

والصمت ومضة فكرية نخلو فيها بأنفسنا ونتأمل أحوالنا وخطانا، فنرسم معالم غدنا ومستقبلنا بتخطيط محكم فنتجنب الارتجالية والتهور.

ولعلنا بصمتنا ونظراتنا الملأى بالكثير من الكلمات تكون أبلغ وأقوى في التأثير من كلمات نتفوه بها، فمن غير المعقول أن ندخل في حوار مع سفيه أو جاهل، أو نرد على كلام بعيد عن المنطقية والعقلانية لا يستحق الرد عليه، فنسحب فتيل النزاع أو الدخول في مناكفات لا طائل منها، وبذاك ندفع عن أنفسنا استنزاف قوانا النفسية، ونكبر في أعين الآخرين ونحوز على إكبارهم وثقتهم، لما أبديناه من حكمة وروية في موقف قد ينفعل فيه البعض وينساق إلى الخلافات والمشاجرات والعلاقات المتوترة.