آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 5:37 م

المترجم وسد بعض احتياجات المجتمعات المعنوية

المهندس أمير الصالح *

المصطلحات في كل اللغات لا تُترجم حرفيا لانها بكل بساطة تتضمن معان عرفية وافكار ومعان مرمزة او ضمنية؛ ولا يمكن استخلاصها بتفكيك الكلمات المركبه في المصطلح. والمصطلح هو معنى فحري في قالب لغوي متفق عليه بين اهل اللغة ذاتهم. في اللغة الانجليزية على سبيل المثال تقسم المصطلحات لـ ثلاث انواع:

1 - المصطلح البحت pure idioms

ك القول he blow the gaff بمعنى هو افشى سرا او القول let the cat out of the vag اي يذيع سرا.

2 - المصطلح الإيحائي

Kick the bucket بمعنى يموت المرء او مصطلح he has a narrow shave بمعنى كاد ان يمسه الخطر.

وهناك استخدامات عديدة لهذا النوع حتى في اللغة الصحفية الاخباريه ك القول they have a finger in every pie بمعنى لهم قرص في كل عرس او لهم مصلحة في كل امر.

3 - المصطلح العرفي

كان يقول احدهم:

It was a piece piece of cake

فيرد عليه احدهم

But was not the cake too rich in butter ?

هنا الترجمة للعربية تكون بالبديل المرادف ك القول

الاسئلة سهلة للغاية وترجمة الرد ”و لكن الا تعتقد بانه كانت الاسئلة مغرقة بالخدع الذكية؟“

هذا كان ثمرة صيد مطالعة عابرة في كتاب ”فن الترجمة“ / ص113 - 115 مع التصرف في النقل.

من هنا يستشعر القارئ المزدوج أو الثلاثي اللغة بوجود فروقات لغوية قد تكون مشوشة او محرفة المعنى في حالة قراءة كتاب مترجم او قراءة كتاب بغير لغته الاصلية وعقد مقارنة مع الكتاب او المقال بلغته الاصليه.

كل هذا ونحن نتكلم على صعيد الترجمة واحتمالية ضياع المعنى بسبب قله مهنية او قلة احتراف المترجم سواء القارئ لنفسه او المنقول عنه كترجمة.

الواقع الذي نعيشه هو ان ابناءنا الطلاب ينهلون من مناهل تعليمية مختلفة باختلاف مدارسهم او جغرافية البلاد التي يتلقون التعليم فيها او المدارس المنخرطين فيها ”حكومية، اهلية، عالمية“ وتحدث المفارقة العجيبة عندما يجتمعون الاطفال في اجتماع اسري عائلي كبير وتكون احد فقرات الانشطة المدرجة في تجمعهم هي مشاهدة فيلم animation او فيلم عائلي. ستشاهد ك مراقب من بعد تضارب الاختيار للفيلم بنسخته الانجليزية الاصلية او المدبلجة بين الاطفال مختلفي الخلفية التعليمية؛ وفي السمة الغالبة يكون تضارب الاختيار بين الابناء من الطلاب المتعلمين بالمدارس العالمية ”اللغة الانجليزية هي اللغة الاولى“ والابناء الطلاب المتعلمين بالمدارس الحكومية او الاهلية حيث اللغة العربية هي لغة التعليم الاولى. وقد تنتهي عملية التصويت على اختيار لغة الفيلم بين الاطفال بان ترتسم الابتسامة على وجوه وتكتسي وجوه حالة التذمر والتجهم لعدم وقوع الاختيار على لغة الفيلم الاصلية التي يفضلها ذاك البعض.

الامر قد يمتد الى انه النص المترجم للفيلم ينقل فكرة تختلف عن اصل فكرة الفيلم في بعض جزئياته او لقطاته كون الترجمة هي فن استدراك المترجم للفكرة الاصلية واعادة الصياغة اللغوية التركيبية بقوالب كلمات تحمل معان ومضامين مشتركة بين اللغتين. ولذا محدودية اللسانيات للأفراد تعني تدني مستوى الفهم والتفاهم لوجود نقاط وصور ذهنية عدة للكلمات بين المصدر والمتلقي في التواصل الصوري. فضلا ان هناك تعابير رسمية وتعابير غير رسمية لبعض المعان مختلفة ومتعددة بين شعوب الارض.

هذا الامر كان يدور في ذهني لفترة من الزمن، وفي ايام مختلفة دار ت احاديث متعدد الاطراف مع عدد متنوع من الاصدقاء الاكاديميين عن الترجمة وتحدياتها وسد الفجوة الانتاجية مع الدول المتقدمة في قطاع الانتاج العلمي والفكري والفلسفي؛ وكانت الاحاديث ذات شجون وخصبة ومتعددة المحاور.

سأختصر بعض محطاتها واعرضها هنا:

- اغلب الترجمات المحلية هي محاولات فردية. وهناك من ابناء الوطن: سعد البازعي، معجب الزهراني، حمزة قبلان وغيرهم من المترجمين. واغلب ترجمات المواطنين هي لغرض اكاديمي او اثراء معرفي وليس لهدف النقل والترجمة التجارية. وهنا جدير بي ان اسجل حضور الاستاذ عدنان الحاجي محليا لغزارة انتاجة وزهده عن الظهور الاعلامي والاستاذ عبد الوهاب بوزيد وامينة الحسن لمشاركتهم النشيطة. على المستوى العربي ومن يعملون بنشاط ولهم انتاج ترجمي مشهود تقريبا صالح علماني، محمد عناني، ثائر ديب، خالد الجبيلي ومحمد ابو ريشة وخالد توفيق وحسن غزالة وهناك الأسماء المعروفة لا يحضرني ذكرها كلها الان.

- الترجمة الحاسوبية ومشاكل تعدد اللهجات المحلية واشهر برامج الترجمة الحاسوبية الخالية trados وgoogle translation ومصير مهنة الترجمة. اسئلة طرحت مع وجهات نظر مختلفة.

- تساؤولات حول الترجمة وامانة المترجم وتهمة تداخل الافكار حتى كتب احدهم ”الترجمة تضعك في حذاء الاخر“

- الدعم الحكومي المؤسساتي هو الأساس في وجود مظلة تحتضن ذوي القدرات والإمكانات من المترجمين الواعدين تماثل سلاسل الترجمة التي يدعمها المجلس الأعلى للثقافة في الكويت. هناك حاجة لمشاريع ثقافية عملاقة خاصة بالترجمة وطنيا، مع التأكيد على احتواء ودعم المتمكنين من جهة، وتوفير التدريب والإعداد للواعدين من جهة أخرى. هذا كان وجهة نظر احد المشاركين في احد ندوات الحوار.

- حركة الترجمة في المغرب العربي من اللغة الفرنسية يقال بانها انشط من حركة الترجمة في المشرق العربي. ومعظم حراك الترجمة ينصب في الانتاج الادبي. وجهة نظر منقولة.

ما يحز في نفسي ان البعض من ابناء لغتي يحاكمون الاخرين على عدم اجادة استخدام المفردات اللغوية للغة الاجنبية في نظرهم المحدود وهو ذات الشخص غافل عن الفحوى لكامل النص ومناكف غيره في تشنج وتصيد على الحرفية النصية الجامدة لترجمته.

من تجارب الاطلاع على لغات اخرى وجدت، وقد يجد القراء الكثير من الامور المشابهة، ضرورة التحوير والابداع لخلق المعنى المراد:

- لا يوجد مصطلح ago في اللغة الفرنسية وعوضا عن ذاك يستخدم مصطلح il y a وهو حرفيا بمعنى هناك there is / there are. لتقريب في المثل التالي

J’ai appris a conduire I’m y a six ans. وهي هنا بمعنى تعلمت القيادة منذ عشر سنوات مضت.

-

في سياق الكلام والاستشهاد من ارض الواقع، لعل من اكثر المواقف ايلاما انسانيا التي سجلتها عندما كنت بمدينة اسطانبول وبصحبة سائق تاكسي؛ ودار حوار معه عن اللغة المستخدمة في بيته كونه من مدينة أنطاكيا ولسانه مزدوج عربي - تركي. فقال السائق ان امه عربية اللسان فقط وابناءوه اتراك اللسان فقط. فعبر السائق مختصرا عن تندره وقال: يتفاهم ابنائي مع جدتهم بلغة روح الفكرة وليس بلغة الحروف والكلمات واللغة! لاختلاف اللسان بينهم. عند حضوري او حصور زوجتي نقوم بدور المترجم بين الجدة والابناء.

الكثير قد لايعاني من مثل تلكم المشكلة في حياته اليومية ولكن ابناء المبتعثين وآباؤهم يعيش البعض منهم تفاصيلها يوميا. اليوم العالمي للغة العربية التي تُصادف يوم 18 ديسمبر من كل عام هي واحة وملتقى فكري عالمي لابتكار حلول عملية في التعاطي مع اساليب الترجمة والتناضح اللغوي مع شعوب العالم وهي فرصة جميلة انصح بالتفاعل معها. وشخصيا اتطلع من جميع الاكاديمين والمهنيين التفاعل مع يوم اللغة العربية العالمي بشكل فعال من خلال طرح مجموعة اوراق وافكار علمية تسد الفجوات وتأصل لفكرة التأصيل للغة من جهة والاستفادة من التجارب البشرية من جهة اخرى. حديثا يدور نقاش حاد في اوربا على ضوء تشريع جديد ستطبقه الدنمارك في حق ابناء المهاجرين بإدراجهم في فصول لغوية للغة الدنماركية لتاكييد اندماجهم؛ وهذا القرار مدعاه لتامل في اهمية اللغة واستنطاق الافكار لايجاد ارضية مشتركة بين بني البشر. ولعل التجارب البشرية تتوالى لتنتج لنا الطرق الانجع في الحفاظ على اللغة الام، وتعلم لغة الاخربن، وسد الفجوة العلمية مع اهل الصدارة العلمية ليتغلب بعض ابناء المجتمع على شعور التفوق الحضاري للاخر.