آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

المثقف.. المفردة

محمد أحمد التاروتي *

اختيار نوعية الخطاب يمثل الميزة التي تحدد هوية البعض عن الاخر، فكلما كانت مفردات الخطاب راقية ورصينة، كلما صبغت شخصية الطرف المقابل بالاحترام والتقدير، فيما تحط المفردات ”السوقية“ من قدر ومكانة الشخص لدى البيئة الحاضنة، نظرا للطبيعية البشرية والذائقة السمعية لدى الجميع، في النفور من الكلمات البذيئة او السوقية، الامر الذي يستدعي الالتزام بقدر كاف من المفردات الرصينة، لكسب الاحترام وعدم النزول، لمستوى بعض الطبقات ذات الانحطاط الاخلاقي.

تبني الخطاب الراقي في عملية التنوير، وكذلك في التعبير عن وجهات النظر، يمثل حالة ضرورية وليس ترفا على الاطلاق، لاسيما وان عملية التنوير الثقافي ليست مفاجئة، بقدر ما تكون تراكمية، مما يستدعي عدم الخروج عن السياق الطبيعي، واللجوء الى الخطاب الشاذ، وغير المتسق مع الطبيعية الثقافية، بمعنى اخر، فان التحرك باتجاه تلويث الاذان بكلمات غير لائقة، يحدث صدمات كبرى على البيئة الاجتماعية، لاسيما وان الخطاب الثقافي يستدعي ايجاد قواعد صارمة،، تمنع عمليات الانحطاط في الخطاب التنويري.

تباين وجهات النظر السياسية او الاقتصادية، او الثقافية، ليست مدعاة لاستخدام اللغة السوقية، خصوصا وان اللجوء لهذه النوعية من الخطاب، يكشف الافتقار لقوة الحجة، مما ينعكس بصورة مباشرة على فقدان القدرة، على الاقناع بشكل اساسي، فالمبررات التي يسوقها البعض للنزول لمستويات متدنية للخطاب، ليست منطقية على الاطلاق، لاسيما وان الانجرار خلف الاستفزازات، تكشف نقاط ضعف كبرى، مما يستدعي عدم تجاوز الخطوط الحمراء، فيما يتعلق باستخدام المفردات في التعبير عن وجهات النظر.

انسياق النخب الثقافية وراء اللغة ”السوقية“، يؤسس لمرحلة خطيرة للغاية، خصوصا وان اللغة النخبوية تمتاز بقدرتها على الابهار، مما يدفع الكثير من الشرائح الاجتماعية لمحاولة اقتباسها، والتحرك لمحاولة الاستفادة منها في رفع الوعي الثقافي، بيد ان خروج الخطاب النخبوي عن اللغة المتسامية، يخلق حالة من الارباك، وعدم الاستقرار اللغوي، لدى البيئة الثقافية والاجتماعية في الوقت نفسه، مما يستدعي ايجاد اطار صارم لتضيق الخناق، على هذه النوعية من الخطاب المستهجن، وغير المستقيم مع الذائقة السمعية.

استخدام المفردات السوقية يمثل بداية الانحدار، والدخول في مسار مظلم للغاية، لاسيما وان الانتصار في المعركة الثقافية لا يتطلب اللجوء، الى بعض الكلمات الخارجة عن السياق المتعارف عليه، فهناك الكثير من الوسائل والطرق التي تحقق الانتصار في معركة الصراع الثقافي، فيما اللغة السوقية تعطي انطباعات سلبية، لدى المتلقى تجاه مستخدميها، خصوصا وان المتلقى ينتظر الخروج بحصيلة وافرة، من المفردات الراقية والرصينة، وبالتالي فان استخدام المفردات السوقية تخلق صدمة كبرى، تكون تداعياتها غير خافية على الجميع.

نزول المثقف الى مستوى الحضيض، يكشف حالة مرضية لدى هذه النوعية، فالاختلاف ليس مبررا لاستخدام هذه النوعية، من الخطاب على الاطلاق، خصوصا وان البيئة الاجتماعية تتعاطي مع المفردات النخبوية بحالة خاصة، مما يستدعي الاختيار المناسب، للمحافظة على الخطاب السليم، والحيلولة دون استخدام الكلمات السوقية.

كاتب صحفي