آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

هل حصد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انجازات سلفه باراك اوباما؟

محمد الزاكي

في 20 من يناير 2009 تسلم الرئيس المنتخب باراك اوباما الرئاسة وورث من سلفه الجمهوري جورج دبليو بوش الابن أزمة اقتصادية طاحنة بعد انهيار وإعلان إفلاس بنك ليمان براذرز رابع اكبر المصارف الاستثمارية الأمريكية بحجم أصول تقدر ب 639 مليار دولار في 15 سبتمبر 2008م على اثر أزمة الرهون العقارية وهي أزمة لا تكاد تحدث إلا في القرن مرة واحدة.

هذه الأزمة التي ضربت القطاع المالي الأمريكي ما لبثت إن تحولت إلى أسوأ أزمة عالمية منذ الكساد العظيم تشكلت على فداحتها مجموعة العشرين في محاولة لكبح جماح الكارثة التي بدت كحجر الدومينو سقطت دول تلو أخرى بفعل جبال الديون المتراكمة.

تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد الأمريكي تمثلت في إفلاس العديد من الشركات الأمريكية الكبرى المرتبطة بالرهون العقارية إضافة إلى الشركات الأخرى في القطاعات المالية والصناعية ولم تسلم فخر صناعة السيارات الأمريكية جنرال موتورز من الكارثة حتى تم إعلان إفلاسها وإعادة هيكلتها من جديد عبر تدخل حكومي مباشر.

فنيا دخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود الاقتصادي بعد ربعين متتاليين من النمو السالب، إفلاس شركات كبرى، انخفاض مستوى الاستثمار، تسريح العمالة، حتى بلغت البطالة ذروتها عند مستوى 10% تقريبا وكنتيجة تلقائية انهار سوق الأسهم إلى ادني مستوى في تاريخ 09/03/2009 حيث بلغ مؤشر الداو جونز 6440 نقطة.

شكل الرئيس الأمريكي باراك اوباما خلية أزمة لمعالجة الكارثة الاقتصادية التي بدت أنها تهدد الاقتصاد الكلي برمته ووضعت نظرية السوق الحر على المحك من خلال التدخل الحكومي المباشر ومصادرة آلية السوق التي تمثل القاعدة الرئيسية للاقتصاد الرأسمالي الحر عبر ضخ أموال دافعي الضرائب في البنوك الكبرى التي كان من المفترض إفلاسها لو تم الاحتكام إلى آلية السوق وهو إجراء تجاوز النظرية الكنزية التي تبلورت على اثر أزمة الكساد العظيم في العشرينيات من القرن الماضي في مقابل النظرية الكلاسيكية. لمجابهة الأزمة ووقف الكارثة تم اتخاذ قرارات عديدة من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية التقليدية ”خفض الفائدة“ وغير التقليدية ”التسهيل الكمي“ وبرنامج إنقاذ مالي بلغ 700 مليار دولار ضخت في الشركات والبنوك الكبرى التي كانت على وشك الانهيار.

معدل البطالة في امريكابعد عام من الأزمة ارتفع مؤشر سوق الأسهم الداو جونز إلى مستوى 10578 نقطة بفارق 4138 نقطة عن أدنى مستوى سجله في 09/03/2009م بنسبة ارتفاع بلغت 64% وفي نهاية عام 2016 وصل مؤشر الداو جونز إلى مستوى 19853 نقطة بفارق 13413 نقطة بنسبة ارتفاع 208% عن ادني مستوى بلغه خلال الأزمة المالية.

أسهمت الإجراءات الحكومية وقرارات البنك المركزي في إعادة الثقة في القطاعات المختلفة، عاود القطاع المالي نشاطه بعد حقنه بمليارات الدولارات، بدأت الشركات ضخ مزيد من الاستثمارات مستغلة تدني كلفة الإقراض، حقق الاقتصاد الكلي نمواً عاماً بعد عام، وفي نهاية سنة 2016 بلغت نسبة البطالة اقل من 5% بعد أن كانت 10% في بداية حقبة باراك اوباما الرئاسية.

المفارقة إن دونالد ترامب الذي كان ينتقد سلفه بنفخ أسعار الأسهم ويعتبره الانجاز الوحيد لحقبة اوباما ما انفك أن يتباهى بين الفينة والأخرى بانجازاته عبر منصته المفضلة ”تويتر“ كلما سجلت الوول ستريت أرقاماً قياسية، ومن شدة هوسه بانجازاته تباهى بها عندما وقف خلف المنصة في الأمم المتحدة خطيباً وسط قهقهة الحضور القادمين من شتى بقاع الأرض.

بعد عام من رئاسة ترامب حقق مؤشر الداو جونز مستوى 24872 نقطة في تاريخ 30/12/20017 مقارنة ب 19777 بداية العام بفارق 5095 نقطة بنسبة لا تتجاوز 26% وبعد عامين حقق مؤشر الداو جونز مستوى 26952 كأعلى نقطة في تاريخ 03/10/2018 مقارنة ب 19777 نقطة في 02/01/2017 بفارق 7175 نقطة بنسبة 36% فقط ولو قارنا هذه النسب بما حققته أسواق المال في عهد الرئيس الأمريكي باركا اوباما نجد أنها تبدو متواضعة وتظهر تفوقاً واضحاً لصالح الأخير.

انخفاض مستوى البطالة أو «وظائف، وظائف، وظائف» كما يحب أن يردد دائما والنمو الاقتصادي وأمريكا أولا والذي يعتبرها انجازات وثمرة لنجاعة سياساته المالية التوسعية، ولكن حتى هذه عندما نضعها تحت مجهر الأرقام نجد أنها لا تضاهي انجازات سلفه باستثناء النمو المحقق في الربع الثاني من عام 2018م، تسلم ترامب الرئاسة ومعد البطالة يقترب من 5% وتراجع إلى مستوى 3,7% الشهر الماضي بالمقارنة مع حقبة اوباما انخفضت البطالة إلى 5% من 10% في ذروة الأزمة.

كل ما فعله دونالد ترامب هو تخفيض ضرائب الأفراد والشركات وهي أداة من أدوات السياسة المالية التوسعية أسهمت في زيادة القدرة الشرائية للمواطن الأمريكي وبالتالي مزيد من الإنفاق وزيادة ربحية الشركات التي استفادت من تخفيض الضرائب من جهة وزيادة إنفاق المستهلكين من جهة أخرى مما كان له الأثر الملموس على الوول ستريت. إلا إن السياسة المالية التوسعية تنطوي على مخاطر كبيرة تتمثل في تضخم المؤشر العام للأسعار وزيادة الديون واتساع مستوى عجز الموازنة العامة والتي يفترض أنها تميل إلى الانخفاض في حالات النمو الاقتصادي القوي كما تحققت في عهد إدارة بل كلنتون في التسعينيات من القرن الماضي حيث حققت الموازنة فائضا لأول مرة منذ سنة 1969م.

انجازات ترامب الأخرى نقض قرارات أسلافه على الصعيد الاقتصادي والسياسي حيث كرس الكثير من فترات حكمه في السنتين محاولا نقض الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي والداخلي ولا زال يأمل في إلغاء برنامج التأمين الصحي ”اوباما كير“ إلا انه أصبح بعيد المنال نتيجة الانتخابات النصفية الأخيرة.

تضررت الدول الأخرى الإطراف في المعاهدات الاقتصادية التي يرى أنها سبب العجز الضخم في الميزان التجاري، سقطت العملة المكسيكية، رضخت كندا والمكسيك لإعادة شروط اتفاقية النافتا، في الضفة الأخرى ردت الصين بالمثل وفرضت رسوم جمركية ولم تخضع للآملات الأمريكية، صحيح إن القرارات الأمريكية شكلت ضغطا على الاقتصاد الصيني الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات وخصوصا للسوق الأمريكية بحجم تبادل تجاري أكثر من 600 مليار دولار إلا إن النتائج حتى الآن لا تصب في صالح الاقتصاد الأمريكي ومستوى العجز لا زال يتواصل في الارتفاع لصالح الاقتصاد الصيني حسب الأرقام المعلنة لشهر أكتوبر الماضي رغم فرض الرسوم الجمركية التي تستهدف بالدرجة الأولى الحد من تنافسيتها في مقابل المنتج المحلي بسبب انخفاض العملة الصينية بنسبة 11% حد من تأثير الرسوم الجمركية وبالتالي المواطن الأمريكي تحمل عبء الرسوم المفروضة وفي الوقت عينه لم تحد من حجم الواردات الصينية.

فرضت الصين رسوم جمركية انتقائية على الواردات الأمريكية تمس القاعدة الانتخابية للرئيس الأمريكي اضطرت الرئيس الأمريكي تقديم دعم للقطاع الزراعي ب 12 مليار دولار للحد من تأثير القرارات الصينية، ومؤخرا تضررت صادرات فول الصويا الأمريكي إلى الصين وهي الوجهة الأكبر خارجيا بشكل حاد وهوت بنسبة 97% وتراجعت أسعار فول الصويا في السوق الأمريكي من 10,50 دولار للبوشل الواحد ”27,2 كيلو جرام“ إلى 8,34 دولار ما يشكل عبئا ضخما على المزارع الأمريكي نتيجة انخفاض الأسعار وتراكم المخزون؟

من جهة أخرى يدعو ترامب الشركات الأمريكية بشكل ملح على بناء مصانعها في الداخل الأمريكي عوضا عن الاستثمار الخارجي لاقت هذه الدعوات استجابة محدودة حيث ألغت فورد خططها لبناء احد مصانعها في الأراضي المكسيكية إلا أن شركة تسلا قررت بناء احد مصانعها في الأراضي الصينية، وكذلك شركة هارلي ديفدسون الأمريكية الشهيرة بصناعة الدراجات في محاولة للحفاظ على حصتها السوقية والقدرة على المنافسة قررت إنشاء مصنع في أوروبا لتفادي ارتفاع الكلفة التصنيعية كنتيجة لفرض الرسوم الجمركية العالية على الصلب والألمنيوم التي كانت تستهدف دعم صناعة الصلب والألمنيوم المحلية.

عاجلا أم آجلا سوف يتضرر الاقتصاد الأمريكي خصوصاً إذا ما تعرضت الاقتصاديات الكبرى لأثار سلبية حادة نتيجة سياسة ”أمريكا أولا“ والحروب التجارية التي دشنها الرئيس الأمريكي على مختلف الجبهات، وطلائع الآثار السلبية ترجمت في التوقعات الجديدة في الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي المنعقد في منتجع بالي الاندنوسي بتاريخ 09/10/2018 حيث خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لأفاق النمو الاقتصادي العالمي إلى 3,7% لعام 2018 و2019م بعد أن كانت التوقعات في شهر يوليو 2018م 3,9% لكلا العامين معزيا ذلك إلى التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

وفي تقديري إن أهم انجازات دونالد ترامب على مستوى منظومة القيم الإنسانية انه جرد الغرب من أهم أسلحته في حروبه الناعمة وعراها تماما وسقطت ورقت التوت.