آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

الاستقواء.. الحليف

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض «التنمر» بطريقة وحشية، وغير منضبطة على الاطلاق، حيث يظهر أقصى انواع القوة، بمجرد الاحساس بضعف الطرف المقابل، فهو لا يتورع عن استخدام الأساليب القذرة، واحيانا البعيدة كليا عن أعراف الحروب، خصوصا وان الشعور بالقوة يطلق العنان، لابتكار مختلف انواع الاذلال، ورفض مختلف انواع الاسترحام او العطف، سواء الصادرة من الطرف المغلوب على أمره، او الاطراف الساعية للتخفيف من الضغوط الممارسة على الطرف الضعيف.

التنمر لا يقتصر على جانب محدد، فهذا السلوك غير الاخلاقي يمارس بشكل يومي، حيث يترجم على مستوى العلاقات الاجتماعية، والممارسات اليومية، فالبعض يظهر التنمر بصورة فجة ومستهجنة، انطلاقا من أمراض نفسية وعقدة اجتماعية، وبالتالي فان الاستقواء ناجم عن مجموعة عوامل، وليس مقتصرا على الخصومة او الحقد، مما يعني انه يكشف عن انعدام في القيم الاخلاقية، بحيث تظهر على صورة قرارات فاقدة، لادنى مستوى من الانسانية.

الاستقواء من الممارسات البشرية، والمتعارفة عليها في مختلف الصراعات، حيث تتخذ اشكالا متعددة واساليب متنوعة، فالعملية مرهونة بعوامل عديدة سواء اجتماعية، او اقتصادية، او سياسية، لاسيما وان الاطراف المتصارعة تحاول استغلال الظروف، لكسر إرادة الخصم، وتمريغ انفه بالتراب، الامر الذي يفسر اظهار عدم الرحمة، بمجرد الاحساس بنوع من الانتصار، ”اذا طاح الجمل كثرة سكاكينه“، بمعنى اخر، فان «التنمر» عملية مرتبطة بوجود عناصر ذاتية لاذلال الاخر، واحيانا ناجمة عن فقدان الطرف المقابل، القدرة على مقاومة مختلف انواع الذل، وبالتالي فان «التنمر» يبقى ممارسة غير اخلاقية على الاطلاق، كونها تسلب ممارسها الحالة الانسانية، وتقضي على الرحمة في القلب.

ظاهرة «التنمر» المستندة للحليف القوي ممارسة شائعة، وليست خافية على الجميع، فهناك أطراف تفتقر للقدرة على اظهار القوة على الاخرين، بيد ان الامور تختلف تماما بمجرد الحصول على الدعم من الحليف القوي، الامر الذي يترجم على شكل استضعاف للأقل قوة، بمعنى اخر، فان الاستقواء على الضعيف ليس نابعا من عناصر قوة ذاتية، بقدر ما يكشف عن وجود قوة خارجية، تمتلك القدرة على تقديم الدعم المادي والمعنوي، وإمكانية التدخل السريع لإنقاذ الحليف في أوقات الازمات.

المعضلة التي تعترض «التنمر» المستند على الدعم الخارجي، تتمثل في عدم الاستمرار والبقاء، نظرا لاختلاف المصالح، وتغير الظروف الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، بحيث يتحول الحليف الحالي الى خصم بين ليلة وضحاها، الامر الذي يسلب الاطراف المستقوية على الخارج، القدرة على الاستمرار في التنمر، واذلال الاخر.

الحليف يطلق العنان لحلفائه، لإظهار بعض القوة تجاه الاطراف الضعيفة، بيد ان مستوى «التنمر» مرهون بوجود عداوة مشتركة، بينما يكون الاستقواء مؤقتا، وغير مستمرا، حينما تكون العداوة من طرف واحد، وبالتالي فان «التنمر» المدعوم خارجيا تتلاعب في إيقاعاته صعودا وهبوطا، الاطراف الداعمة بالدرجة الاولى، بمعنى اخر، فان الاستقواء الخارجي محفوف بالمخاطر، تبعا لرغبات صاحب اليد الطولى، في تقديم الدعم المعنوي والمادي، خصوصا وان اختلاف المصالح يحدد مستوى التنمر ومدته احيانا.

كاتب صحفي