آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

أي من الغازيين أشد نقمة وأي منهما أسبغ نعمة

عبد الرسول الغريافي

منذ القدم والجراد يعد غذاء شعبي لكثير من شعوب العالم وخصوصا في المجتمعات الفقيره كأفريقيا والهند والدول الشرقيه وبعض دول أمريكا الجنوبيه وكذلك في دول الخليج والجزيرة العربية. والقطيف هي إحدى مناطق الخليج الزراعية والتي عاث الجراد في مزارعها فسادا حيث كان يلتهم كل ماعلى الغصون من أوراق فيتركها سوق وغصون جرداء حتى نمى وترعرع وازدادت كمياته فكان حق على الأهالي أن يكونوا من ملتهمي هذا الجراد وممن اكتسبوا الخبرة في صيده وسلقه وبيعه في الأسواق التي خصصت لبيعه كسوق الجبلة وسوق الجراد والتي كان مكانها اليوم هو بمحاذاة صيدلية المهنا الأولى من جهة الغرب، مقابل ميدان السفينه من الشرق عند الزاوية الجنوبية الغربية للقلعه بعد حي الخان، شمال سوق القفافيص. لقد كان الصيادون يتربصون للجراد في برالبدراني في موسمه عندما «تطيح الطليه» أي ينزل الضباب والرطوبه فإن الجراد يعجز عن الطيران فيزحف على الرمال متراكما على بعضه بكميات هائلة، عندها يأتي الصيادون بأكياس الخيش فتملأ وتخاط وتركب على ظهور الحمير أو القواري «العربات» التي تجرها تلك الحمير لجلبها إلى السوق وبيعها لسلقها في قدور كبيره في الساحات العامه حيث يسخن فيها الماء لدرجة الغليان وعندها تفرغ كميات الجراد من الخيش فيها وهي تغلي لكي لا يتمكن من الفرار. وللجراد أنواع ومسميات مختلفة حيث يفضل أكل الأناث والمعروفة بالمكنه وأما الذكر فيسمى السرح، لذا نسمع الأطفال دائما يتغنون في فلكلوراتهم مرددين:

السرح مايحب المكنه..

والسرح عوره بطنه..

وللأطفال فرحة كبيرة عند حلول موسم الجراد إذ يشترون الجراد حيا وتخرق الجرادة من الجزء العلوي من رأسها ليثبت فيه خيط رقيق ليمسك الطفل طرفه العلوي ثم تدلى الجرادة من يد الطفل وعندها تنشر أجنحتها وترفرف وكأنها تطير فينتشي الطفل فرحا وسرورا ثم ينشد فلكلوره مرددا:

ياجراده قرقعي..

وإلا رميتش في البحر..

لقد استمر صيد الجراد وبيعه وأكله حتى نهاية الستينات من القرن العشرين الماضي حيث كثفت حملات مكافحة الجراد العالميه رشه بالمبيدات فأصبح أكل ماتبقى منه ضارا بالصحة لما يحمله من سموم المبيدات في جسمه. كما وقد قلّت كمياته فلم يعد صيده مجديا ولم يعد أحد من الأجيال المعاصره يعرف عادة أكله أو التعود عليها، كما لايستطيعون - أصلا - تخيل أن حشرة كالجراد كانت تؤكل في يوم من الأيام كغذاء.

وفي نهاية الستينات وتزامنا مع بدء اضمحلال الجراد وتلاشيه بخيره وشره، لاح في الأفق ظهور غزو حشرة جديدة لايعرفون عنها أهالي المنطقة إلا القليل؛ وهي حشرة النحل الألمانيه والتي انتشرت في منطقة القطيف فجأة كانتشار النار في الهشيم. وهذا النوع من النحل هو صنف غزير الإنتاج للعسل وقوية سمومه عند اللسع. لقد اتخذ من جذوع النخل بيوتا إذ يختار النخلة التي تساقط جميع سعفها وذهب رأسها ولم يبق إلاجذعها واقفا فينخر جوفها أو يجده منخورا جاهزا ليسكنه. لقد كان هذا الصنف من النحل عدائي وشرس الهجمات فكل من اقترب من قفير خلاياه هاجمه بعنف وخصوصا في فصل الصيف. لقد كان كبير الحجم، سريع في بناء الأقراص الشمعية وسريع في انتاج العسل وبوفرة كبيره، وخطوطه البرتقالية داكنة اللون، وله إبرة طويلة يستعملها في لسعه الشديد الألم عند الهجوم.

لا يكاد بستان من بين كل عشرة بساتين يخلو من وجود خلية متلبدة في إحدى نخيله التي لارأس لها، لهذه الدرجة بلغت كثرة انتشاره إلا أن الناس بمن فيهم الفلاحين كانوا غير مهتمين به ولابتربيته إلاّ ما ندر، بل كان الأغلبية من الفلاحين يمقتونه ويسمونه «زنابير» ويسعون للتخلص منه عندما يغزوا نخيلهم إما بحرق النخلة التي يسكنها أو بإزالته عن طريق البحث عمن يخلصهم منه ممن يهتمون بتربيته وخصوصا الفلاحون الذين اتخذوا بساتينهم سكنا لهم آنذاك كانوا يخشون كثيرا على عوائلهم وحيواناتهم من أذى لسعاته الشرسه. والطريف في الأمر، أن بعض مربي النحل بعدما ينتهون من إزالته من البستان حسب طلب الفلاح منه فإنهم يقدمون للفلاح بعض أو كل العسل الذي أنتجه في بستانه أو يعطون أطفاله مبلغ من المال كهدية فيدرك الفلاح عندها فوائد ذلك النحل فيغير رأيه فجأة بأن يطالب بإرجاعه أو بالمزيد من المال كثمن لبيعه أو يشترط على من يأخده أن يعطيه قطفتين أو أكثر من إنتاج عسل نحله عندما ينتج مستقبلا، والبعض من الفلاحين يدرك قيمة النحل في فترة قصيرة وذلك أثناء إجراءات إزالته وهو يراقب ذلك فيفاجئ من استنجد به لإزالته أن يبقيه مكانه. وهناك البعض من الفلاحين حين يغزو هذا النحل بساتينهم فإنهم يدركون قيمته وفوائده فيستنجدون بوزارة الزراعة أو شركة أرامكو أو أحد الخبراء لإستشارتهم ومساعدتهم في تربيته ونقله إلى خلايا «صناديق» خاصة به من أجل الإستفادة منه.

لقد كان القلة من الفلاحين ومنذ زمن أبعد من فترة غزو هذا النحل لمزارع القطيف يقومون بتربيتة وهم ممن يمتلكون مزارع نموذجية وذلك بمساعدة وتشجيع شركة أرامكو لهم كعائلة آل حمود والثواب والضاحي والموزعة مزارعهم بين الجش وسيهات «مزارع برزه». ثم تلا بعد ذلك مجموعات أكثر اتخذوا تربيته كهواية من هواياتهم بعدما انتشر غزوه لكثير من بساتين القطيف حيث كثرة وجوده وقلة تكلفة الحصول عليه وتربيته لدرجة أن البعض ممن لايمتلكون المزارع كانوا يربونه فوق سطوح المنازل.

في نهاية الثمانينات بدأ الكثير يعتني بتربيته والتنافس في ابتكار الطرق في التعامل معه، ففي الخويلدية - على سبيل المثال - تعاون شخص من آل شيف في تربيته مع موظف في الشرطه يدعى العسيري وهو خبير في تربيته في مناطق جنوب المملكه فامتلكا عشرات من قفير خلايا النحل في إحدى مزارع الخويلدية المطلة على «السد» وكانت بمثابة مصنع عسل لكثرة إنتاجه، وهناك العديد ممن اهتموا بتربيته كعائلة الميلاد والغريافي والدعلوج وغيرهم من التوبي من عائلة المطيلق وكذلك في مزارع سنابس تاروت كمزرعة التيتون وغيرهم.

في عام 1394 هجريه، الموافق «1974 - 75» دخلت الشرقية في مشروع رش المبيد الحشري بطائرات الهيلوكوبتر وذلك من أجل القضاء على الكثير من الحشرات المضره ولكن هذا المبيد لايعرف التمييز بين حشرة ضارة وأخرى نافعه، إذ قضى هذا المبيد على جميع هذه الضيوف التي «مازارت حتى ودعت»، فقد حلت على القطيف منذ عام 1969م حتى 1975 لتكمل خمس سنوات فقط كضيف حل على القطيف ثم رحل.