آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

أزهر الكون بضياء عظمتها

السيد فاضل علوي آل درويش

في كل جوانب حياتها وشخصيتها ومضات مشرقة تنير فكرنا بالوعي والرشد، وتصبغ سلوكنا بالاستقامة والنزاهة عما يشوه كمال النفس وسموها من قبائح ومعايب تشوبها بالكادورات، فالحديث عن سيرتها العطرة إطلالت على شمس مضيئة تهب التواقين للنزاهة كل أطياف الرفعة والرقي.

وعمرها الشريف القصير حجة على كل العباد في كل ما قدمته للإنسانية من دروس معرفية وأخلاقية واجتماعية، فالعمر في طوله أو قصره، وفي مواجهة ظروف صعبة، وفي كل ما يواجهه المرء من محن، لن يكون كل ذلك عائقا له في مسيره نحو الكمال والفلاح ما اتخذ نهجا قويما يقتدي به كعظمة الزهراء ، فالحياة ميدان شرعت كل مساراته لمن أراد التقدم والتألق وتحقيق أهدافه بالقرب من الله تعالى، وسمو النفس المتألقة بالعلم والاستقامة والرقي في التعامل والتعاطف الوجداني مع آلام الآخرين وحاجاتهم.

عمرها الشريف لم يكن في امتداده بأطول من إشعال شمعة وإطفائها سريعا، ولكنها خلفت لنا إرثا لا يضاهى من كنوز المعرفة ودروس جسدت فيها القيم الدينية والتعاليم المحمدية، فكانت امتدادا للنهضة الإصلاحية الكبرى التي قادها أبوها المصطفى ﷺ لتغيير العقول المغلفة بالجهل والجمود الفكري والانقياد العاطفي الأعمى، واستطاع ﷺ في فترة وجيزة اقتلاع جذور الفساد والانحلال الخلقي المتغلغل في أعماق نفوسهم، فكما كان بعلها المرتضى جناح رسول الله في خطواته التبليغية مع الرجال، كانت الزهراء الجناح التبليغي الآخر والمتكفل بإرشاد النساء وتعليمهن أمور دينهن.

وإن التاريخ البشري لو كان منصفا في تدويماته بلا خلل ولا إهمال متعمد، لسجل بأحرف ذهبية سيرة هذه العظيمة - على قصر عمرها الشريف - والتي جسدت كل صفات العظمة الإنسانية والألق الروحي، فقد شع من جبين غرتها كل معاني الكمال الفكري والذي تجسد في الكلمات النوارنية والكنوز الحكمية التي تفوه بها منطقها الحكيم، فمن أراد قربا من شخصيتها فليتأمل وليسكب على كلماتها كل وسائل التحليل والاستناج؛ لتتحول إلى مفردات منهج المنطق والحوار والحديث الحسن الذي يسود في التخاطب الإنساني.

وقراءة متأنية نتمعن فيها كل القيم السامية التي جسدتها توصلنا إلى قمم الفضيلة، فقد أرشدت الرجال قبل النساء إلى ما تعلو به النفس وتسمو وتمتاز عن غيرها في درجات التفاضل، إنه الجمال الحقيقي الذي يستمر ولا يتغير مهما تطاولت السنون بأحد، إنه جمال الروح وتجليات الصفاء والنقاوة الخالية من التعالي والأنانية والأحقاد والكراهية والانتقاص لأحد، فكما أن الوعي والرشد عنوان الكمال للعقل فكذلك كرامة النفس وتواضعها وسماحتها ملمح الألق فيها، فالفكر الواعي والروح المخلصة والطاهرة من الإحن جناحا التنمية والازدهار المعنوي.