آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

بيت النور محراب المعصومة (ع)

ورد في سيرة السيدة فاطمة المعصومة أنها لما نزلت بيت الشيخ موسى الخزرجي اتخذت محرابا تتعبد فيه إلى أن وافتها المنية، وسمي ببيت النور تعبيرا عن الفيض الإشراقي الذي حل في بقعة شاهدة على وجود إحدى العارفات المنقطعات لله عز وجل، في كل يوم تزداد قربا منه سبحانه لما تتحصله من المضامين العالية من الصلاة الخاشعة السامية.

وهي في محراب العشق الإلهي في أقرب مشهد يذكر بجدتها الزهراء والعظيمات من أهل بيت النبوة، ولتكون حجة وقدوة للنساء ليتمسكن بنهج المعرفة والعفة والسلوك إلى الله تعالى في طريق الخلوص والطمأنينة القلبية مهما تكالبت الظروف.

وعند نزولها في قم في طريقها للقاء أخيها الإمام الرضا بعد أن دب الخوف على حياته الشريفة، إذ أخبرهم أنه لا يعود لمدينة جده المصطفى ﷺ مرة أخرى، ولا يخفى ما يكون عليه المرء في مثل هذه الأوقات العصيبة من اضطراب وتخوف ودهشة من الأيام القادمة وانشغال القلب بترقب الأخبار، ونجد البعض في مثل هذه المواقف الصعبة يذهل عن الصلاة وتلاوة القرآن الكريم والتعبد لله تعالى، وحتى وإن أدى الصلاة فإنها فارغة من معاني القرب الإلهي أو تحصيل الخشية منه تعالى والثقة بتدبيره.

السيدة المعصومة توجهنا إلى ما ينبغي أن يكون عليه حالنا إذا مررنا بأزمة وشدة تذهل فيها الأذهان عن الفكر والتوجه والتركيز، إنه الفزع إلى محراب مناجاة الله تعالى فلا مؤثر في قضاء الحاجة وتجاوز الألم إلا هو سبحانه، فلا يطلب العبد ملجأ وكهفا حصينا يقر فيه ويحتمي إلا اليقين بمسبب الأسباب.

ومن تجليات عظمتها التأكيد في صلاة العارفين التي حققتها في أصعب الظروف هو حضور القلب وحصر اهتمامه باليوم الآخر والاستعداد للقاء الله تعالى، مذكرة بمواقف الدوحة المحمدية والعترة الطاهرة والذين يجدون راحة نفوسهم في العبادة الواعية، وهذا الأمر - حضور القلب - ليس بهين في أوقات الشدة، حيث تهيم النفس القلقة في فضاء الخيالات المشوشة والتشويش الفكري والوقوع في أسر اجتراح آلام الماضي والهواجس المخيفة للمستقبل المجهول، ولا نجاة واطمئنان إلا بما يريح النفس ويكسبها الهدوء والاتزان في الفكر والوجدان، والوقوف بين يدي الله تعالى واستشعار عظمته وحب لقائه يؤهل المرء للتعامل مع مشاكله بتركيز وهدوء، وذلك أن الاهتمام الأول والمهم هو إعمار الآخرة والتزود من العمل الصالح المورث لتثبيت وتقوية ملكة التقوى، وأما ما يواجهه من عقبات فيحاول بذهن خال من التشتت أن يبحث لها من الحلول ما يمكن تطبيقه، وحينها يحذف من عقله الأفكار السلبية ومن نفسه المشاعر السوداوية، وهذا المسير التهذيبي هو الاقتداء الحقيقي بأولياء الله والعارفات به كالسيدة المعصومة، فوجدت في مناجاة ربها وبث شكواها مما حل بهم من محن إلى بارئها وتطلب منه المدد وتثبيت الفؤاد.

وإن أخطأنا وقصرنا في حق الله تعالى وجعلنا صلاتنا مرتعا للانشغال بزينة الدنيا وما نواجهه من هموم، فإن السيدة المعصومة توجههنا إلى أمر مهم، فما يستحق الاهتمام هو التقصير والخطيئة وإجرامنا في حق أنفسنا وما سنواجهه من جزاء على ذلك، وأما هموم الدنيا فلا تستحق أن نحملها معنا إلى محراب العبادة، ولكل مشكلة حل ممكن نبحث عنه ونتعرف عليه في أوقات أخرى، ونتفرغ في الصلاة وأوقات التأمل والتفكر لتحصيل درجات عليا من مقام التذلل بين يديه تعالى والقرب منه.

فما أخرج السيدة المعصومة من مدينة جدها المصطفى ﷺ ما كان إلا الشوق للبقاء في كنف أخيها الإمام الرضا ، والذي يعني الاستظلال بتربيته وتوجيهاته وتعليمه وخلقه العظيم.