آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

لسنا مجتمعاً ملائكيًا... لكن لسنا مجتمعاً تافهًا أيضا

أمين محمد الصفار *

عندما تكتب نقدًا أو تقدم عملا فنيًا عن قطاع معين مثل الأطباء أو المهندسين أو غيرهما، فعادة ما ينبري هذا القطاع للدفاع عنه نفسه، وأن ما تم عرضه لا يمثل القطاع نفسه وأن هناك تعميماً وتشويهًا لقطاع بأكمله لحالات فردية أو لا تذكر، هذا عادة ما نسمعه كرد فعل قد يكون تلقائياً.

أعرف أن قطاع المحاماة مثلاً، هو كغيره فهو ليس معصومًا، لكني إلى الآن لم أجد من يتجرأ لطرق هذا الباب، لكن من جهة أخرى يبدو أن باب إتهام المجتمع بأكمله باب مشرّع للجميع دون ضابط، وأن هناك عبارات معلبة جاهزة لتبرير كل خدش في المجتمع، فقط لجعل النقد أو الإتهام للمجتمع يبدو صحيحًا.

من خلال الحوار الذي دار مع أعضاء فريق الفيلم السعودي الذي عرض مؤخرا في منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف، ظهر لي أن الفريق حدد أن خشبة النجاح للفيلم هي الجرأة في التناول هو أبرز ما كان يراهن عليه الفريق.

لست متخصصاً في النواحي الفنية بالرغم من إعجابي ببعض النواحي في الحبكة الدرامية للفيلم، وأعتقد أن المتخصصين الذين حضروا الندوة قد اجادوا في تقييم هذه الناحية، لكن يهمني هنا التركيز على ما ذكره اعضاء الفريق للقول: أن الفيلم أضاف رصيدًا إضافيًا من المفردات المعلبة التي كنا نسمعها منذ التسعينات حول الأفلام والمسرحيات التي تتخذ من «الجرأة» عنوانًا وعنصرًا قد يكون وحيداً لما تطرحه.

«هذا هو الواقع»، «لا نريد أن ندفن رؤوسنا»، «لسنا مجتمعاً ملائكيًا»، «العالم تغير»، هذه العبارات التي عادة ما نسمعها للدفاع عما يسمى ب «الجرأة» في طرح المواضيع الاجتماعية على خشبة المسرح أو الشاشة، وقد يتواضع البعض أو يتنازل للاعتراف المكرر بذكر عبارة أن هناك «أزمة نص» ويبدو أن هذه الأزمة لن تُحل، لأن فيها تبرير أكثر منطقية ربما من تلك العبارات التي أصبحت مستهلكة.

لعل أوضح ما في هذه العبارات هو أنها عمليًا - وأن كانت بشكل غير مباشر - تدعو لحالة من التطبيع مع الحالات الشاذة التي تُطرح وكأنها هي الأصل أو الحالة الطبيعية في المجتمع، وهذا النوع من الطرح ادعي بأنه يعمق الحالة الشاذة أكثر، بل ويدعو إلى حالة من التشدد المجاني بكلا الاتجاهين، بدلاً من أسلوب التجسير للوصول إلى حالة من التفهم للدور والرسالة على أقل تقدير.

لعلنا الآن - وهذا ما لا نأمل أن نصل إليه - أمام إشكالية أن المتلقي العادي أصبح أكثر إيماناً من غيره بقوة تأثير الفن السابع وخطورة استخدام الدراما كيفما اتفق، وفي الجانب الآخر نرى أهل الصنعة - كما يقال بالعامية - يجدون في دقة وحرفية الكاميرا والإضاءة متكأً يغني عن التدقيق في مستوى ومحتوى الرسالة الظاهرة والباطنة التي يبعثها العمل الدرامي نفسه للمتلقي، كما يكررون عبارة أن الفن ليس من مسؤولياته تقديم الحلول، ويتناسون حالة التطبيع الذي تسبغها بعض الأعمال الدرامية على الحالة الشاذة التي يطرحها العمل الدرامي.

أننا كمجتمع بحاجة إلى الجرأة والصدمة لكن بمفهوم ووعي مختلف يتناسب مع عالم وتحديات اليوم، وليس بجلب مفهوم الحقب السابقة للجرأة والصدمة لعالمنا اليوم.