آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

منبج.. كسر العظم

محمد أحمد التاروتي *

يمثل رفع العلم السوري في مدينة منبج حدثا مفصليا، وغير اعتيادي على الاطلاق، نظرا لتداعياته السياسية والعسكرية خلال الفترة القادم، خصوصا في ظل التجاذب الحاصل بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، الامر الذي يمهد الطريق لإطلاق حملة عسكرية تركية، للقضاء على التواجد العسكري الكردي، في المناطق القريبة من تركيا.

بغض النظر عن مصداقية دخول قوات النظام، في مدينة منبج او عدم دخولها، فان الانعطافة الكبيرة لدى قوات سوريا الديمقراطية، تمثل تحولا كبيرا واستراتيجيا، فهذه الخطوة يستبعد ان تكون تكتيكية او مؤقتة، نظرا لكون هذه الخطوة تغييرا واضحا في المشروع الكردي، الساعي لتكريس النظام اللامركزي، عبر الحكم الذاتي ضمن الجغرافيا السورية، بمعنى اخر، فان موافقة قوات سوريا الديمقراطية برفع العلم السوري، بمثابة تراجع عن الحكم الذاتي، وإقراراً صريحا باندثار حلم تكريس اللامركزية سوريا، فضلا عن كوّن رفع العلم السوري انتصارا سياسيا لدمشق، الامر الذي يؤسس لمرحلة جديدة للازمة السورية المستعرة منذ 2011.

رفع العلم السوري يعطي دلالة واضحة، على بدء سيطرة دمشق على المناطق الخارجة عن سيطرتها، لاسيما وان التطورات السياسية العالمية تؤشر لدخول المنطقة مرحلة جديدة، نظرا لإدراك العديد من الدول أهمية اعادة النظر، في مستقبل العلاقات مع سوريا، جراء انحسار المعارضة بمختلف اشكالها، واستعادة النظام لأغلب المناطق، مما يعطي النظام الحرية الواسعة للتحرك داخليا وخارجيا، بمعنى اخر، فان دخول منبج تحت عباءة النظام مرتبط، بالتطورات الداخلية والاقليمية على حد سواء، وبالتالي فان الفترة القادمة ستحمل الكثير من المفاجآت ذات العلاقة بالأزمة السورية.

مسارعة قوات سوريا الديمقراطية لتسليم مدينة منبج لسلطة النظام، مرتبطة بالأحداث الاخيرة والمفاجئة، لاسيما وان قرار ترامب بالانسحاب المفاجئ، من سوريا اصاب الأكراد بمقتل، نظرا لافتقارها للحليف القوي القادر، على تقديم الدعم المالي والعسكري، لمواصلة مشروعهم السياسي، في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، فالقوات الامريكية قدمت الكثير من الدعم العكسري، في المواجهات مع داعش، الامر الذي ساهم في بسط نفوذ الأكراد، على العديد من المناطق في الشمال السوري.

التهديد التركي باجتياح مدينة منبج، للقضاء على التواجد الكردي العسكري، يمثل احد الاسباب وراء خيار اعادة الدفء للعلاقات مع دمشق، فالأكراد يدركون صعوبة الصمود امام القوات التركية، والجماعات المسلحة التابعة لها، لاسيما بعد تجربة مدينة عفرين الفاشلة وسيطرة الجيش التركي والهزيمة العسكرية، التي لحقت بقوات سوريا الدايقراطية انذاك، وبالتالي فان خيار اعادة منبج لسيادة النظام يقطع الطريق امام انقرة، للاستمرار في الحملة العسكرية، نظرا لاختفاء الاسباب الموجبة لإطلاق الحملة العسكرية، فالرئيس اوردغان ليس مستعدا لمواجهة الجيش السوري بشكل مباشر، بسبب خشيته من ردة فعل موسكو، مما يضطر للتراجع عن الحملة العسكرية ضد الأكراد.

التصريحات الاخيرة الصادرة من تركيا، بعدم وجود مؤشرات بدخول قوات النظام لمدينة منبج، وكذلك إرسال التعزيزات العسكرية باتجاه سوريا، تهدف لممارسة الضغط على الأكراد، وكذلك الحصول على مكاسب سياسية، نظرا لإدراك انقرة صعوبة الدخول في مواجهة مباشرة مع موسكو، في حال استمرت في الحملة وفقا للخطة المرسومة، بمعنى اخر، فان انقرة تحاول استخدام التدخل العسكري، كورقة للمساومة السياسية، نظرا لوجود مؤشرات قوية بتوافق دولي، على انهاء الأزمة السورية.

كاتب صحفي