آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

«الديرة» حورية التراث

عباس سالم

هي «الديرة» كنز التراث الواقعة على أقدم تلال في جزيرة تاروت ثاني أكبر جزيرة في الخليج العربي بعد البحرين.

«الديرة» التي تسحر زائريها كما حورية سمراء تعتلي التلال وتنثر شعرها عليها، هذا ما كنت أراه وأنا أتنقل بين أزقتها وصاباتها القديمة، كنت أسير برفقة رجل عاصر الحياة الجميلة في هذه المنطقة التي كانت شامخة بأهلها قبل أن يهجروها إلى المناطق الحديثة، وكنت أستمتع لأحاديث من ذاكرته يرويها عن الحياة فيها.

أثناء سيرنا على الأقدام باتجاه البيوت القديمة التي تتميز بتراثها المعماري الجميل وتُزَيُنَها تلك الزخارف المختلفة الأشكال والرائعة في الجمال، كانت بيوت «الديرة» التي يسكنها الأهالي مبنية من الحجر والطين بطرق بدائية تعتمد على المجهود الشخصي من قبل أصحاب البناء والمتعاونين معهم، وكانت الأسقف من الطين التي تسكب فوق الچندل للحماية من حرارة الجو في فصل الصيف ومن البرودة في فصل الشتاء.

كانت البداية من بيت الجشي والذي للأسف كان مغلقاً فلم يتح لنا الدخول ورؤيته وتوثيقه من الداخل، وكذلك بيت آل حمّاد وهما من البيوتات المقامة على نظام العقود المتوازية، وهو النظام الذي كان أكثر استخداماً في منطقة «الديرة»، حيث بنيا على عدة مراحل من بيوت متلاصقة بلغة أربعة أو خمسة وكل مرحلة لبيت مستقل ببابه، ويظهر ذلك واضحاً من خلال مشاهدة الواجهة الأمامية والخلفية، حيث يختلف شكل الحجارة المستخدمة إضافة لاختلاف فتحات النوافد وأشكالها، وهذه البيوت مبنية على نظام الغرف التي تتخللها الأحواش حيث تسكن أكثر من أسرة في كل بيت.

بعد ذلك قصدنا الذهاب إلى أعلى بيت في «الديرة» وهو بيت عائلة الحجاج الذي كان مغلقاً كذلك بسبب قيام جمعية أهلية هي ”جمعية التراث والسياحة بالقطيف“ بترميمه ومحاولة الحفاض على ما بقيا من آثاره القديمة، وقمنا بجولة في المنطقة المحيطة به ومررنا ببيت عائلة الرويعي الذي كانت تميزه تلك الزغارف الإسمنتية الجميلة والأعمدة المقوسة بشكل غاية في الجمال وهو أنموذج للبيوت البسيطة في التصميم والبناء كما غالبية بيوتات «الديرة» التي هدمت، حيث الدخول من البوابة القوسية وغرف على الجانبين وساحة وبئر ماء إضافة إلى مرابط الحيوانات.

بعدها كانت لنا جولة سريعة إلى منزل الحاج محمد تقي آل سيف، ذلك البيت الذي كان يقصده الأهالي في جزيرة تاروت لمناقشة ما تحتاجه البلدة من خدمات، وعرضها على الوجيه الحاج محمد تقي آل سيف رحمه الله، والذي بدوره يقوم برفعها إلى المسؤولين في الدولة والمطالبة بتنفيذها، وهو أحد البيوت المميزة في «الديرة» وأحد الدواوين الخاصة بالعائلات، وهذه الدواوين والمضافات تستخدم عادة في الأعياد ولقاءات العائلة، وتستخدم أيضاً للنشاطات الدينية والثقافية ولاجتماعية، ومررنا بعده على بيت عائلة السني ذلك البيت الذي يتميز بالزخارف والأدراج التي تحاكي التراث الأصيل التي كانت تتميز به أكثر البيوت في «الديرة»، لكنه قاب قوسين من الإنهيار إذا لم يبادر في إنقاذه.

وفي النهاية صعدنا إلى أعلى القلعة حيث الهواء العليل الذي يشتد بقوته كلما اعتليناها، وعلى تل القلعة وقفت أنظر بكل أسف إلى تلك البيوت القديمة ورجعت بذاكرتي إلى أيام الطفولة والصبا، من على هذا التل كنا نستمتع بالمناظر الجميلة التي كانت تحيط بجزيرة تاروت كأنها شال من السدر تحيط بها النخيل والأشجار من كل إتجاه، ولكن للأسف جاءت يد الإنسان لتعبث وتدمر كل ما هو جميل في الجزيرة وتركتها كصحراء قاحلة تحيط بها تلال من الرمل بعد أن كانت تحيطها النخيل والأشجار والبحر الأزرق الصافي.!