آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

التفاهة.. الجدية

محمد أحمد التاروتي *

اشاعة ثقافة التفاهة في المجتمع، مرتبطة بنوعية التفكير السائدة، فالمجتمع الذي يتعاطى مع الظواهر التافهة، لا يحصد سوى السراب، والمزيد من الضياع، والركض نحو المجهول، خصوصا وان المبررات التي يسوقها اصحاب هذه النوعية من التحركات، ليست قادرة على الصمود في وجه المنطق الجاد، وبالتالي فان الثقافة التافهة لا تبني قاعدة صلبة، للانطلاق باتجاه مشروع التنوير الشامل، بقدر ما تخلق بيئة رخوة غير قادرة، على الصمود في وجه التيارات المتعددة، الامر الذي يفسر التفاوت الكبير بين المجتمعات ذات المقومات الرصينة، والاخرى المعتمدة على المفردات الفارغة.

فقدان النخب القادرة على تزويد المجتمع، بالثقافة الرصينة، يولد حالة من الفراغ الكبير، مما يسهم في بروز ظواهر شادة تعتمد على التوافه، من خلال التركيز على بعض الامور الهامشية، بعيدا عن القضايا الجوهرية، فتارة تكون من خلال استخدام وسائل الاعلام المختلفة، في توجيه الرأي العام المحلي، باتجاه رموز تافهة تفتقر للمقومات الاساسية، لمواصلة تصدر المشهد الثقافي في المجتمع، وتارة اخرى من خلال وضع برامج هزلية وغير جادة، مما يكرس حالة الضياع في المجتمع، وبالتالي فان النخب الثقافية بمثابة صمام الامان، في توجيه المجتمع في الاتجاه الصائب، لاسيما وان النخب تمتلك القدرة على القراءة الدقيقة للتحركات، التي تقودها بعض التيارات الاجتماعية، بغرض افراغ العقول من الثقافة الرصينة، واستبدالها بمعلبات جاهزة، ليست قادرة على المساهمة، في مشروع التنوير الشامل.

الارضية الخصبة تمثل البيئة المناسبة، لنمو الثقافة التفاهة، فالمجتمعات التي تمتلك قدرا من الوعي، وحالة من المناعة الذاتية، يصعب اختراقها بسهولة، نظرا لوجود حالة من الرفض الداخلي، لاستبدال الثقافة الجادة باخرى تافهة، الامر الذي يفسر نمو هذه النوعية من الثقافة، في البيئات ذات الوعي المتدني، بخلاف البيئة الواعية التي تحافظ على استقلالها، وتحترم ذاتها، مما يدفعها للحافظ على مكتسباتها، وعدم التفريط فيها، وبالتالي فان محاولات ايجاد موطئ قدم، في المجتمعات الواعية تكون صعبة، نتيجة الرفض الكامل لاستخدام الثقافة التافهة، كنوع من التجديد، او التحرك باتجاه التنوع الثقافي.

المغريات المصاحبة للثقافة التافهة ليست قليلة، نظرا لاعتمادها على مبدأ الابهار، للحصول على التأييد الشعبي، لذا فان هذه النوعية من الثقافة تحاول اختراق العقول، بواسطة بعض الممارسات الاغرائية، خصوصا وان الاعتماد على المادة الرصينة، لا يخدم الثقافة التافهة على الاطلاق، مما يدفعها لانتهاج وسيلة الاستقطاب المعتمدة على الاغراء، وبالتالي فان المغريات تمثل الطريق نحو السيطرة على التفكير الاجتماعي، مما يفتح الطريق امام ازاحة الثقافة الرصينة، بشكل تدريجي من البيئة الاجتماعية، جراء تزايد اعداد الشرائح الداعمة للثقافة التافهة وغير الجادة.

السيطرة على الثقافة التافهة، ليست سهلة على الاطلاق، نظرا لوجود صراع طويل مع الثقافة الجادة، فكل طرف يحاول استخدام مختلف الوسائل، لتحقيق الانتصار في المعركة القائمة، بيد ان الثقافة التافهة تمتلك الكثير من الامكانيات، التي تسمح لها بالتمدد في جميع الاتجاهات، الامر الذي يتمثل في ابتكار المزيد من الثقافة التافهة، لتوجيه ضربات قاسية للثقافة الرصينة، نظرا لوجود امكانيات ضخمة تؤهلها، للظهور بمظهر المنتصر في مختلف الاوقات، بخلاف الثقافة الرصينة التي تعاني من قلة الامكانيات، وانعدام القدرة مجاراة الثقافة النقيضة.

كاتب صحفي