آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

الانسانية.. التوظيف

محمد أحمد التاروتي *

الاستخدام المزدوج للحالات الانسانية، من الممارسات الشائعة على نطاق واسع، حيث تعمد بعض الجهات لتوظيف المعاناة لتحقيق مكاسب سياسية، ورفع الرصيد الاجتماعي على حساب آهات وعذابات الاخرين، من خلال استخدام المساعدات في قضايا، لا تمت للتخفيف من وطأة المعاناة بصلة، الامر الذي يفقد النوايا مصداقيتها جراء الطريقة المستخدمة، في التعاطي مع القضايا الانسانية.

طريقة تعامل الماكنة الاعلامية مع القضايا الانسانية، تكشف بعض الاهداف المرسومة لتصعيد تلك القضايا، لدى الرأي العام، فإخراج تلك القضايا الى العلن عوضا من التعامل بسرية تامة، يعطي قناعة بوجود نوايا غير صادقة بمعالجة حقيقية للمعاناة الانسانية، خصوصا وان مبررات اخراج القضايا الانسانية، للعلن ليست مقنعة في بعض الاحيان، نظرا للتداعيات المترتبة على توظيفها على تعميق الجراح على اصحابها، وبالتالي فان النوايا الصادقة تدفع باتجاه المعالجة ضمن الحدود الضيقة، بهدف الحفاظ على كرامة اصحاب الحالات الانسانية.

وجود اطراف عديدة في تناول القضايا الانسانية، يعطي دلالة على وجود جهة، تغذي عملية الضخ الاعلامي بشكل منظم، خصوصا في تقارب المعلومات وطريقة المعالجة، تنم عن وجود أغراض غير انسانية، في التعاطي مع المعاناة لدى بعض الفئات الاجتماعية، الامر الذي يفرغ ”الفزعة الانسانية“ من محتواها، ويوجهها باتجاه مسالك اخرى، مما يدفع للتوجس من سرعة التفاعل غير المعهودة، مع المعاناة لدى بعض الجهات الداعمة، خصوصا في ظل وجود تجارب غير السارة، فيما يتعلق بطريقة التعاطي مع الحالات الانسانية الصعبة.

التوظيف المرتبط بالأغراض السياسية، يمثل قمة الاستغلال غير المحبذ على الاطلاق، لاسيما وان الظروف القاهرة قد تضطر لركوب الصعاب، والاستسلام لرغبات الداعم، نظرا لانسداد الأفق ومحدودية الخيارات لدى الطرف الضعيف، مما يجبره للوقوع فريسة للتوظيف بمختلف اشكاله، وبالتالي فان الفصل بين التوظيف والنوايا الحسنة، يكون صعبا في كثير من الاحيان، خصوصا وان البعض يحرص على إظهار الوجه الانساني، واخفاء الوجه البشع، بغرض الترويج واستخدام هذه الطريقة لكسب المزيد من النقاط، على حساب المعاناة الانسانية، نظرا لانعدام المثل الاخلاقية في التعامل مع الظروف البشرية الصعبة، بمعنى اخر، فان ايجاد حدود فاصلة بين التوظيف السيء والنوايا الصادقة، يسهم في استمرارية الجهود المبذولة للتخفيف من المعاناة، التي يرزح تحتها بعض البشر، نتيجة ظروف طبيعية، او بسبب الحروب او غيرها من الاسباب.

التوظيف السياسي يمثل نهجا ثابتا لدى بعض الاطراف، في الاستفادة من المعاناة الانسانية، الامر الذي يفسر المسارعة غير المبررة، للتدخل في مختلف القضايا الانسانية، سواء في البيئة الاجتماعية الضيقة او الكبيرة، خصوصا وان المكاسب المترتبة على هذا النهج كبيرة، على المدى القصير، وأحيانا على الأمد الطويل، مما يشجع على الاستمرار بغض النظر عن التداعيات الناجمة، على الاستمرار في هذه الطريقة، لاسيما وان التوظيف يكشف الوجه الحقيقي بالرغم من مختلف مساحيق التجميل، التي توضع لتبيض الصورة عبر التستر خلف المساعي الهادفة، للتخفيف من معاناة بعض الفئات الاجتماعية.

كاتب صحفي