آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

لا تهدر كرامتك بالمعصية

ورد عن أمير المؤمنين :.. ولا بد للأجل أن يتناهى، وللأمل أن يطوى، وللنفس أن يحصى، ثم دمعت عيناه وقرأ: «و إن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون» «أمالي الصدوق ص 171».

لا تنس أيها الإنسان أن الله تعالى أكرمك بعقل تبصر به وتفهم حقيقة وجودك في الدنيا، فلا تغفل عن الرقابة الإلهية على أنفاسك وما تخفيه وتظهره، هذه الحقيقة الغائبة عن وعينا انعكس اختفاؤها أو ضعف حضورها على ما يصدر منا مترجما بحركة من حواسنا، فلما نعد نستشعر فداحة المشاعر السيئة تجاه من وقع بيننا وبينهم مناكفة والتباس، فلجأنا إلى تجاهلهم والحديث بسوء عنهم، ولما نراقب تعدينا على حقوق الآخرين وهناك من يسجل همساتنا وأفعالنا لحظة بلحظة، يعرض علينا ذلك في يوم الأهوال وانكشاف غطاء الغفلة وظهور الحقائق.

لم يخلقنا سبحانه وتعالى عبثا خارج نطاق الحكمة، بل هناك سعي منا محفوظ ومحاسبون عليه، وعلينا وضع حقيقة الرقابة الإلهية وتسجيل الملائكة نصب أعيننا إن أردنا النجاة من مصير المتجرئين على المحارم، ولنتذكر أننا مخلوق مكرم من الله تعالى، وأحد أوجه تلك الكرامة الواجب علينا الحفاظ عليها لئلا ننحدر نحو المهالك والمخاطر، هو نزاهة النفس وطهارة الجوارح من تناوش السيئات والقبائح، فالاستجابة لأهواء النفس ونزغات الشيطان في لحظة موت سريري لضميره حينئذ مسلك يبعده عن رحمة الله تعالى ويعرضه للعقوبات الإلهية، فكرامة الإنسان وقوة شخصيته - في أحد أوجهها - تتمثل بما يمتلكه من إرادة قوية توقفه وتمنعه من الخوض في أحاديث اللهو وتجنب الخطوات الواصلة إلى منكر يقترفه، فالعقل الواعي هو تاج المعرفة والسلوك الإنساني، وبدونه يغدو المرء عرضة للانفعال والنزوات فتجول الشياطين في فؤاده لايفعل ما يسيء لكرامته وعزته، فلنعمل على تعزيز حضور ضمائرنا في كل ما نقدم عليه.

فمن أوجه مكر الشيطان الرجيم أن يدفعنا نحو خداع أنفسنا، فنتلبس بالسيئات في لحظات ابتعاد عن أعين الناس، فلسنا مستعدين لارتكابها - وإن كان هتاف النزوات عاليا - لئلا نسقط من أعينهم، ويا لسخف تفكيرنا هذا إذ نستخفي من الناس ولا نستذكر ملائكة يسجلون ما نفعل فلا يخفى عليهم شيء، فإننا نرتكب من الحمق الشيء الكثير بتغييب رقابة الله لنا، وللخروج من هذه الغفلة عن رقابة الكرام الكاتبين فلنستحضر صورة في مخيلتنا يوم نقف بين يدي الحساب في يوم القيامة، فالفضيحة هناك بعرض أعمالنا مما كنا نخجل من اطلاع المقربين منا عليه، إنه منظر مخيف ورهيب لا نريده مطلقا، فمجرد تصوره يرهبنا فكيف بمعاينته، فلنكن صادقين مع أنفسنا ونتنزه عما يلحق العيب بنا، فلننته عن غي أنفسنا والجرأة على المحرمات مستذكرين عظمة الخالق.

التحرز عن ملوثات النفس العزيزة والطهارة عن تلك القبائح هو ما يستجلي الصورة الجميلة للكمال فينا، والطريق لذلك تفعيل الضمير الواعي والذي يراقب القلب والجوارح ويحاسبها على كل ما يصدر منها من أوجه تقصير والخطايا، فنهرع فزعين حينئذ إلى التوبة والاستغفار الحقيقي المكتنف للندم على ما مضى والعزم مستقبلا على تجنب أسبابه والطرق الموصلة إلى المخالفات.