آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:07 م

عندما تبحث عن عمل... تكلم حتى أراك!

يحكى أنه في قديمِ الزمانِ أن كان سقراط الحكيم جالساً بين تلاميذه يتبادلونَ الحديثَ فيما بينهم يأخذونَ ويردونَ على سقراط وهو يصحح ويقيم أفكارهم ويعلمهم، يخوضونَ في موضوعاتٍ مختلفةٍ ومتنوعةٍ بعددِ اختلافِ مدارسِ الفلسفةِ والفلاسفة، وبين ثنايا لذةِ العلمِ المتطايرة التى يتعالى منها الكلامُ بين الأستاذ والتلاميذ جاءَ أحدهم وهو في أفخمِ اللباسِ وأبهى حلة الشباب فنظر إليه سقراط مطولاً، ثم قالَ جملته الشهيرة التى أصبحت مثلاً: ”تكلم حتى أراك“. وبعد سقراط قال الإمامُ علي بن أبى طالب (ْع»: ”الرجالُ صناديقٌ مغلقةٌ مفاتيحها الكلام“ وقيل ”المرءُ مخبوءٌ تحت لسانه“ أو ”المرءُ مخبوءٌ تحت طي لسانهِ لا تحت طيلسانه“.

لم يختلف اليوم عن الأمسِ في كيف نقنع من يريد استئجارنَا وهو لا يعرف فطنتنَا وعلمنا وشدتنَا في العملِ أننا هو من يبحث عنه وكلها صفاتٌ لا يمكن له أن يراها ويقرأها من ملامحنا، إلا بإخراجِ ما في عقولنا وصدورنا عن طريقِ اللسان. ربما هناك مقاييسٌ لا تعرفها لكن كاملَ الزينةِ والعتادِ واللسان هم سلاحك الأمضى في شق الطريقِ نحو الوظيفة. عندما كنت صغيراً كانت الوظائف والفرص تبحث عني وتأتي لي، وأنت في زحام ودورة الحياة عشراتٌ منك تبحث عن وظيفة واحدة!

جُمَلٌ قليلة في مقابلةٍ قصيرة بين موسى وابنتي النبي شعيب ”وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ? قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ? قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى? يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ? وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ“ أعطته في العلمِ الظاهر توصياتٍ وفرصةَ العملِ لعشرِ سنواتٍ أو أكثر، الوظيفة التي جلبت له الأمانَ والأهلَ بعيداً عن مكانِ مولده في مصر ”قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ? إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ“ وجاء العرضُ من والدها ”قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى? أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ? فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ? وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ? سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ“، ثم أصبحَ عقدُ العملِ سارياً بين الطرفين ”قَالَ ذَ?لِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ? أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ? وَاللَّهُ عَلَى? مَا نَقُولُ وَكِيلٌ“.

لا جدالَ أن موسى أعطتهُ اللحظةُ المناسبة مقابلةً شفهيةً وعمليةً بعدها بانت قوته وأمانته، لكن امتحان العملِ جاء بعد الكلام. حِكَمُ سقراط وعلي أعمَّ من أن تكونَ في الوظيفةِ فقط، لكن تعقيداتِ الحياةِ والاقتصاد خصصت العامَّ وكتب الناسُ كتباً في كيفيةِ مقابلاتِ الوظيفة وهي فكرةٌ لجمعِ المال أيضاً، ولو كنتُ مقبلاً على استئجاركَ لطلبتُ منك الإجابةَ على سؤالٍ واحدٍ فقط، بعد النظرِ إلى بزتك: كيف ستزيد من رأسمال شركتي مقابلَ راتبٍ شهري؟ إذا كانت لديك إجابةٌ جادة فربما أنتَ من يحصل على عرضِ الوظيفة!

عند كل مقابلة عمل نظرياً يكون احتمال القبولِ والرفضِ متساويان ويتفوق احتمالُ القبول عندما تتقد شعلةُ الحماسِ والرغبةِ في داخل طالب العمل وتظهر مكنوناتُ المعرفةِ على لسانهِ الواثقِ من وجودها ولغة جسدهِ المتوثبة ليقول: متى أبدأ العمل؟

مستشار أعلى هندسة بترول