آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:26 م

التوافق.. التنازل

محمد أحمد التاروتي *

يخلط البعض بين التوافق والتنازل، فالتوافق ليس مدعاة لتقديم فروض الطاعة للطرف الاخر، بقدر ما يمثل وجود نقاط التقاء ومصالح مشتركة، سواء كانت نقاط التلاقي او المصالح المشتركة مؤقتة او دائمة، وبالتالي محاولة صهر الطرف الاخر بشكل كامل، خطأ فادح يرتكبه البعض، انطلاقا من التعامل بمبدأ الفوقية والتعالي، الامر الذي يقود لنسف نقاط التلاقي، جراء ادراك احد الاطراف بصعوبة الاستمرار في العلاقة، وفقا للقواعد التي وضعها الطرف المقابل، مما ينعكس على شكل حالة من الفتور او القطيعة سلبية.

التوافق مرتبط بوجود تلاقي فكري في قضايا محددة، بحيث يظهر على شكل جهود مشتركة في فترات زمنية مؤقتة، حيث تترجم على صورة تعاون في صياغة تلك القناعات الفكرية، بغرض ايجاد السبل المناسبة للتعاطي الايجابي، الامر الذي يساعد في تشكيل نوع من التحالف الجزئي في قضايا المشتركة، خصوصا وان العمل المشترك يختصر الكثير من الجهود، بخلاف التحرك الاحادي الذي يستهلك الوقت، ويعرقل احيانا عملية الوصول، الى الحلول المناسبة بالطريقة المثالية.

التلاقي حالة ايجابية تترجم على شكل مشاريع مشتركة، فالتعاون مبدأ يعكس حالة من الضعف البشري من جانب وضرورة استفادة الجميع من الامكانيات المشتركة من جانب اخر، كما يمثل التعاون الجانب الايجابي لمجموعة القيم الاخلاقية الانسانية، وبالتالي فان التلاقي ليس مدعاة للممارسة الفوقية من احد الاطراف، نظرا لوجود نواقص مشتركة، وليس هناك يدا طولى لطرف دون اخر، مما يستدعي ايجاد قواعد منظمة لطريقة التعامل، فيما يتعلق بالمشاريع المشتركة، لتفادي انفراط عقد التعاون، وابقاء حبال الود لأطول فترة ممكنة.

محاولة انتزاع التنازلات من الطرف المقابل، استغلالا للتوافق المشترك، والتحرك الجمعي، يحدث شرخا كبيرا في جدار التعاون الآني، الامر الذي يقود الى فراق، وانهيار سريع للعلاقة التوافقية، وبالتالي فان الحرص على توطيد العلاقات الثنائية، يساعد على تجاوز الصعاب، التي تعترض طريق البحث المشترك للحلول المناسبة، لحلحلة القضايا القائمة، خصوصا وان سيطرة النزعة الفردية تقضي على روح التعاون المشترك، فهذه الحالة تفاقم الامور بالاتجاه السلبي، وتقطع طريق التلاقي البناء.

احترام الطرف الاخر، والحرص على تفهم القناعات، وعدم التدخل السافر وغير المبرر، للسيطرة المباشرة على الطرف المقابل، عناصر اساسية في وضع الامور في الإطار المناسب، خصوصا وان الجميع يرفض الاجبار، ويقف بقوة امام المساعي لفقدان استقلالية القرار، وحرية الاختيار، فهناك خطوط حمراء ينبغي احترامها على الدوام، باعتبارها الوسيلة لابقاء حبال الود، وتضمن استمرارية التوافق بين مختلف الاطراف، مما يستدعي التحرك وفق هذه القواعد، لضمان التفريق بين التوافق والتنازل.

التنازلات تكون احيانا اجبارية، واخرى طواعية، فالاولى تسلب صاحبها استقلالية القرار، وتحرمه من التعامل بالندية مع الطرف المقابل، مما يولد حالة من الانهزامية والتصاغر، الامر الذي يفسر الرفض الكامل للإجبار على تقديم التنازلات، باعتباره انتقاص وعدم احترام، فيما الثانية «التنازلات المقدمة طواعية» تكشف عن رقي في التعامل، ومحاولة التعاطي بنوع من المسؤولية، تجاه مختلف القضايا، خصوصا وان التمسك بالمواقف يبقى الازمات تراوح مكانها، مما يعطل الحركة الطبيعية للقضايا الاجتماعية.

كاتب صحفي