آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

الضغوط.. الردع

محمد أحمد التاروتي *

تشكل الضغوط الاجتماعية حائلا امام الافراد، لتجاوز الخطوط الحمراء، خصوصا وان ردود الافعال بالمحيط الاجتماعي تكون غير متوقعة، واحيانا غير محسوبة النتائج، مما يدفع باتجاه ممارسة ”التعقل“، وعدم الأقدام على خطوات استفزازية، او غير متوازن مع النسق العام، وبالتالي فان الخطوات في الغالب تكون محسوبة بدقة، تفاديا للتصادم المباشر مع المجتمع، لاسيما وان الدخول في خصومة مع المجتمع، لا تصب في مصلحة بعض الافراد، مما يجبر على انتهاج وسيلة المهادنة والمسايرة.

الخشية من التعرض لخسارة كبرى، وعدم القدرة على النهوض مجددا، تدفع باتجاه التنازل عن بعض القناعات الشخصية، لاسيما وان المناخ الاجتماعي غير قادر على استيعاب مثل هذه الافكار احيانا، مما ينعكس على صورة مواقف معارضة للغاية، بمعنى اخر، فان المسايرة للنسق الاجتماعي العام، لا يعني عدم صوابية القناعات الذاتية، بقدر ما يمثل نوعا من التمسك بالتعاضد الداخلي، وعدم تعريض المجتمع لهزات عنيفة، الامر الذي يتمثل في التنازل مؤقتا، عن الافكار بانتظار التحولات الاجتماعية، القادرة على الاستيعاب والتأقلم مع الافكار الجديدة.

الهزيمة السريعة، وعدم القدرة على الصمود، والفشل في المواجهة حتى النفس الاخير، تدفع برفع الرأية البيضاء سريعا، فالبعض يفضّل التنازل تفاديا لمزيد من الخسائر، على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان الوقوف في وجه التيار الاجتماعي الجارف، لا يجدي نفعا، باستنثاء كسب المزيد من الخصومة، نظرا لوجود تباين كبير بين الاّراء الشخصية، والقناعات الاجتماعية المعاكسة تماما، مما يولد حالة من النفور الفكري التام، الامر الذي يستدعي التريث، والحرص على قراءة الموقف، بشكل متوازن، عوضا من التمسك بالقناعات الشخصية، ومحاولة ضرب الاّراء الاخرى بعرض الحائط.

التمسك بالقناعات الشخصية امر مطلوب، وضروري احيانا، باعتباره الوسيلة المثلى للتحول باتجاه مرحلة اكثر اشراقا، وكذلك احداث صدمة حقيقية في طبيعة التفكير القائم، على التمسك بالقناعات غير الواقعية، او المستندة على قواعد غير سليمة، بيد ان التمسك بالقناعات الزائفة، والساعية لنسف بعض الثوابت الاجتماعية الراسخة، ينم عن قصور في التفكير، وعدم القدرة على التمييز، بين فكر ”البناء“ والتفكير الهدام، الامر يتمثل في الموقف الاجتماعي الموحد، والتماسك تجاه بعض القناعات، غير المتوافقة مع التفكير العام، وبالتالي فان محاولات الظهور بمظهر الناصح، او المغير، ليست قادرة على احداث اختراقات، في الجدار الاجتماعي الصلب.

الضغوط الاجتماعية سلاح فعال في تضييق الخناق، على بعض الممارسات غير المستقيمة، فالخشية من ردود الافعال تدفع باتجاه تقنين، بث تلك القناعات ضمن نطاق ضيق للغاية، خصوصا وان محاولة البوح تلك الافكار او التحرك، باتجاه توسيع نطاقها المجتمع، سيخلق حالة من الاستنكار الشديد، نظرا لإدراك اصحاب تلك القناعات، بعدم قدرة المجتمع على تقبلها، او استيعابها، فأحيانا تكون تلك القناعات متقدمة على التفكير الاجتماعي، مما يتطلب فترة زمنية للارتقاء بالمستوى الفكري، فيما تكون ردود الفعل احيانا، منطلقة من ثوابت اجتماعية، ترفض تسلل مثل هذه القناعات، نظرا لخطورتها على بنية التفكر الجمعي، الامر الذي يستدعي الوقوف بقوة امام هذه الافكار، وعدم السماح بظهورها على الاطلاق.

تبقى الضغوط الاجتماعي احد الأسلحة الفعالة، في تخلي البعض عن القناعات، نظرا للتداعيات المترتبة على التصادم المباشر مع المجتمع، فالخسائر الناجمة عن الدخول في حروب مع المجتمع، تتمثل في العزلة شبك الكاملة، كإجراء تأديبي للعودة على الجادة مرة اخرى.

كاتب صحفي