آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

السعودية.. وطنٌ تحميه الأرواح والعقول!

حسن المصطفى *

شهدت محافظة الأحساء في شهر فبراير الجاري، موكبين مهيبين، لتشييع جثمانين لجنديين سعوديين، قتلا أثناء دفاعهما عن أرض وطنهم، في الحد الجنوبي، وهما: الرقيب حسين علي القريشي، ووكيل رقيب إبراهيم حاجي بوحميد.

الجنديان بذلا أغلى ما يملكان، روحهما. حملا السلاح، جنبا إلى جنب مع رفاق لهم من مدن وقرى سعودية مختلفة. لم يفرقهم المذهب، ولا القبيلة، ولا العرق. بل جمعهم الإيمان بأهمية الحفاظ على الدولة وكيانها.

صحيفة ”الأحساء نيوز“، نقلت عن والد إبراهيم بو حميد، قوله مفتخرا بابنه ”إبراهيم عاش بطلا واستشهد بطلا، وأنا مفتخر به، لأنه استشهد دفاعا عن دينه ووطنه“.

هم ليسوا أول من سقط مضرجا بدمائه من أبناء المنطقة الشرقية، بل سبقهم إخوة لهم، آمنوا بواجب الدفاع عن وطنهم، كي يكون مساحة آمنة للتنمية والحياة الكريمة.

الحدث رغم ألمه، وتحديدا لدى عائلة الفقيدين، إلا أنه علامة مضيئة، تثبت أن المواطنين في الأحساء والقطيف، هم جزء من هذا الوطن، يدافعون عنهم، لا يفرون من وجه المعركة، وليسوا بطابور خامس، كما يروج بعض الطائفيين وأصحاب المصالح الضيقة. متغافلين عن أن ”الإرهاب“ و”الخيانة“، لا مذهب لهما. فكما هنالك إرهابيون شيعة، هنالك إرهابيون سنة. ولذا فإن التعميم لا يصح، بل هو تصرف ينم إما عن جهل، أو قصدية سياسية وحزبية، أو رغبة في الشيطنة!.

إبان الحرب العراقية - الإيرانية، وفي أجواء صعود تيار ”الصحوة“ والتيار التكفيري، ساد المنطقة جو طائفي، اختطف المجتمع السعودي لسنوات. وهو التيار الذي انتقده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة، مذكرا أن ”السعودية لم تكن كذلك قبل 1979، السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع الصحوة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة لا مجال اليوم لذكرها، فنحن لم نكن بالشكل هذا في السابق“.

ولي العهد الذي يقود مشروعا تحديثيا للمجتمع، يقوم على مبدأ المواطنة، وبناء دولة مدنية عصرية، أوضح بشكل جلي أنه ”بكل صراحة، لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة“. مشددا ”سوف ندمرهم اليوم بإذن الله“.

هذه اللغة الصارمة والمباشرة، لم تكن مجرد خطاب حماسوي، لحشد تأييد الجماهير. بل إن الأمير محمد بن سلمان، يقصد ما يقول، وبدأ في تنفيذ ذلك عمليا.

تراجع الأصوات الطائفية، وخفوت نبرة التيار المتطرف، هي أولى نتائج الخطاب الوطني الجامع، الذي تريد الدولة أن يسود بين المواطنين. لأن استقرار الكيان، وديمومته، مرتبطة بالسلم الأهلي، وعدم وجود ألغام داخلية، تنفجر بين الفينة والأخرى، تأخذ طابعا مذهبيا عصبويا.

من هنا، فإن شبكة المصالح الطائفية والقبلية والمناطقية، التي بناها البعض داخل المجتمع ومؤسساته، والتي حالت دون أن تأخذ بعض المكونات فرصتها، هذه الشبكة بدأ مشروع ”رؤية 2030“ في تفكيكها، وإعادة صياغة منظومة جديدة تقوم على الكفاءة.

قبل الثورة الإيرانية 1979، وما أنتجته من مقولات تصدير الثورة، وما واكبها من احتلال جماعة جهيمان العتيبي للحرم المكي الشريف، وصعود التيار السروري، قبل كل ذلك كانت المشاكل المذهبية أقل حدة، ولم تكن هنالك جدران شاهقة من الطائفية بالعلوِ الذي شهدناه!. ورغم أن جذر المشكل السني - الشيعي، يأخذ بعدا تاريخانيا عميقا، إلا أن العلاقات المجتمعية بين المكونات المذهبية المختلفة كانت طبيعية، حيث التواصل هو السمة البارزة. واستطاع الناس بنباهتهم وذكائهم الاجتماعي، التخفف من هذا الإرث الثقيل، وتحييده.

قبل نحو أربعين عاما، سنلحظ في قطاعات عسكرية مهمة، وجودا لضباط سعوديين شيعة، خدموا وطنهم بإخلاص، إلى أن أحيلوا إلى التقاعد، دون أن يخدش شيء في سجلهم المهني. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: العميد الركن طيار عبد الإله البريكي، والعميد الركن طيار حسن المحروس. وكلاهما كانا ضابطين في القوات الجوية الملكية السعودية، وربطتهما علاقة صداقة متينة - أثناء عملهم في القاعدة الجوية بالظهران - بالأميرين مقرن بن عبد العزيز، وبندر بن سلطان.

هنالك أسماء أخرى لضباط شيعة، من مناطق مختلفة في المملكة، يضاف لهم آلاف الجنود الذين خدموا في السلكين العسكري والأمني، بكل مهنية وكفاءة. إلا أن المشاركة في هذه القطاعات، تراجعت إبان فترة ”الصحوة“ و”الشحن المذهبي“، لأسباب عدة، أهمها:

1. صعود خطاب تحريضي ضد المواطنين الشيعة، يرميهم بالعمالة لإيران، ويدعي زورا بأنهم يفتقدون الوطنية.

2. تنامي خطاب انعزالي داخل بعض البيئات الشيعية، يدعوا إلى الانكفاء والسلبية، وعدم الانخراط في المؤسسات العسكرية والأمنية.

3. وجود عقبات إدارية، وضعها بعض العاملين داخل مؤسسات الدولة، ممن يتبنون موقفا سلبيا من المسلمين الشيعة، قلل نسبة قبولهم في الكليات الأمنية والعسكرية.

4. الحمولة التاريخية والصراع العقدي القديم، التي رسخت فكرة أن الحكم لـ ”السنة“، والمعارضة لـ ”الشيعة“. وهو التصور الذي خلق ثنائية حادة، غذت بشكل سلبي العقل الجمعي، لدى مجاميع نافذة داخل الفريقين.

هذه العقبات يمكن تجاوزها، بالعمل المشترك بين المجتمع المدني والجهات الحكومية، وفق خطة عمل وطنية مدروسة ومتقنة.

الملك سلمان بن عبد العزيز، وفي حديث له العام 2015، شدد على أن ”لا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات“. وهي الكلمة الفصل التي يجب على المواطنين والمسؤولين الأخذ بها، والاحتكام لها، لتجاوز أي سلبيات خلقها الواقع الطائفي في سنوات خلت.

في السعودية قيادة سياسية ترفض الخطاب الطائفي. وهذه القيادة أبوابها مفتوحة أمام جميع المواطنين. وهنالك ديوان للمظالم، وهيئات رقابية، ومؤسسات تعنى بحقوق الإنسان. وعلى من يمارس تجاهه أي تعسف، أو يرفض قبوله للدراسة أو العمل لأسباب مذهبية أو قبلية أو مناطقية، أن يتقدم بالشكوى لهذه الجهات، حتى ترفع عنه ما أصابه من غُبن.

إن ”همة السعوديين مثل جبل طويق“، و”طموحنا عنان السماء“، كما قال الأمير محمد بن سلمان. والقانون سوف يحاسب أي فرد أو مسؤول، يريد لهذه الهمة أن تنكسر، أو لهذا الحلم أن يأفل!.