آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

التأسيس لإيمان حر ومتسامح

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

أثناء انعقاد القمة العالمية للحكومات، في إمارة دبي، في فبراير الجاري، تحدث وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، عن مفهوم الحوار بين الأديان، وتطوير الخطاب الديني المعاصر، بما يوازن بين إيمان الفرد بمعتقده، وحاجاته الدنيوية في آن معا، مشيرا إلى الدور الذي تؤديه السعودية في هذا الحقل، قائلا ”لنا في المملكة الشقيقة خير مثال على تحقيق توازن بين الدين والتنمية، فهي الحاضنة لمهد الإسلام، والراعية للحرمين الشريفين، وتخدم الإسلام العظيم بمؤسساتها الدينية المحلية والدولية“، معتبرا أنها تقدم ”نموذجاً فريداً للتنمية الحضارية والاستعداد للمستقبل“.

حديث عبدالله بن زايد، يأتي نتيجة وعيه وإدراكه الدور المهم الذي من الممكن أن تؤديه المملكة في نشر خطاب ديني معاصر، متصالح مع قيم الحداثة، يحث المؤمنين على الحياة من دون عُقَد، ويدفعهم إلى ولوج المستقبل من دون خوف أو قلق من العلوم والمعارف الحديثة.

السعودية بما تمتلك من مكانة روحية بين المسلمين، حيث مكة والمدينة، والجغرافيا التي بدأ من خلالها الإسلام في دعوته الأولى، وهجرات النبي صلى الله عليه وسلم، وحروبه، وتاريخه مع آل بيته وصحابته ومجتمعه.. كل هذا الإرث الذي يعود إلى أكثر من 1400 عام خلت، باستطاعة المملكة أن تبني عليه تجربة عقدية حية، تأخذ المسلمين - ليس على أرضها وحسب - نحو آفاق إنسانية رحبة، تؤمن بالحوار والتعددية واللاعنف، وتتعايش مع الآخر أياً كان دينه أو مذهبه أو معتقده؛ لأن ”الحرية حق لكل إنسان: اعتقادا وفكرا وتعبيرا وممارسة“، كما جاء في نص ”وثيقة الأخوة الإنسانية“، التي وقعها بابا الكنيسة الكاثوليكية فرانسيس الأول، وشيخ الأزهر د. أحمد الطيب.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدوره يسعى إلى الفصل بين الخطاب الديني والعنف. ففي لقاء له مع محرري صحيفة ”واشنطن بوست“ عام 2015، أشار إلى أن ”الإسلام عقلاني، الإسلام معتدل وسهل“، معتبرا أن هنالك من ”يحاول اختطافه“.

طوال نحو 40 عاما، ساد الخليج خطاب إسلاموي متطرف، لم يتورع عن استخدام التكفير، والعنف، وصولا إلى الإرهاب؛ لتحقيق أهداف سياسية، توسلت الدين مطية لها.

هذا الخطاب الراديكالي، ترتب عليه تراجع لقيم الاجتهاد، والحداثة، والتسامح، وتكريس للتوحش الفكري تجاه المختلفين!

ما يسعى إليه ولي العهد السعودي، ووزير الخارجية الإماراتي، هو نزع القداسة عن الخطابات الدينية المتشددة، وتشجيع التفكير الحر، ودفع التجارب الإيمانية نحو الانفتاح على الحياة والعلوم الإنسانية الحديثة، والتحاور معها، والاستفادة من إنجازاتها، والبعد عن الانعزال الفكري، الذي أثر سلبا في عموم الخطاب الديني في الخليج، وهي المساعي التي إن كُتب لها النجاح، فستزيح عن الأجيال القادمة، ثقل الكراهية والحروب الطائفية، التي أثخنت تاريخنا بالدم والسواد!