آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

مقومات الصلاح والتوفيق

"بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّوم، بِرَحمَتِكَ أستَغيثُ فأَغِثْنِي، وَ لا تَكِلْنِي إِلى نَفسي طَرفَةَ عَينٍ أَبَداً، وأَصلِحْ لِي شَأنِي كُلِّه» «مهج الدعوات للسيد ابن طاووس ص 5».

تتوسل مولاتنا الزهراء بالله تعالى الذي يتولى شئون عباده ويعلم ما يصلح أحوالهم، فتولنا يا رب برحمتك التي وسعت كل شيء وتفيأت بظلال هدايته، وينطلق الإنسان في رغباته وطلباته من منطلق تحقيق مصلحته ومنفعته، ولكن مورد الخير والإثمار والنتائج الطيبة لا ينقدح في ذهنه موطنها وموردها، فلعل ما يتعلق به فؤاده ويرى الخير الكثير فيه لا جدوى منه والجهد الذي بذله من أجله خاب فيه مسعاه، ولا سبيل في راحة نفسه وخلو فكره من التشويش وإغراء المطامع إلا بإيكال أحواله وتدبيرها إلى مسبب الأسباب، الذي لا ينسى من سأله ولا يخفى عليه ما به من ضر وافتقار، فيفيض عليه من تسديده وفيوضاته سبحانه ما استقام وتورع.

هذه النفحات الدعائية ليست بأماني ينسجها الخيال وتداعب المشاعر بلا أثر لها في الواقع، بل هي التأطير التهذيبي للفكر والسلوك بما يتوافق مع الإرادة الإلهية، وهذا التوفيق يفترض بالعبد أن يعكس ذلك نورا في علاقته بربه وعلى تصرفاته بلا مباينة عما يتطلع إليه من مستقر أخروي، فليتحرك في إطار المحبة والمعرفة بالحي القيوم مستنفذا وقته وجهده للتكامل الروحي وصفاء القلب من الأحقاد والافتتان بالدنيا.

مضمون التوسل: الثناء على الله تعالى هو أول إطلالة يستهل بها العبد في دعائه، فيتوسل بالحي القيوم الذي يدبر شئون عباده بما يصلحهم ويرعى الخير لهم، فالحي سبحانه لا يغفل لحظة عما يرعاه من أحوال عباده وليس كأي حفيظ قد يعتريه السهو أو الغفلة أو النوم، فالعبد في كل أوقاته واحواله وفي سره وعلنه بعين الله تعالى وقوته، والقيوم عز وجل هو القائم والمدبر والمسير لشئونهم، فلتطمئن القلوب وتتعلق بألطافه الظاهرة والخافية لييسر أمورهم ويرعى ضعفهم.

التعلق بالرحمة: يتعلق العبد بالجمال الإلهي البارز في رحمته تعالى ولطفه ورأفته بخلقه، فقد آنست قلوب العباد بما تقاسموه من مظاهر الرحمة في قلوبهم، والتي تدعوهم للشفقة والعطف على الضعفاء والمحتاجين ومواساتهم وصنع المعروف، والتلطف والمحبة بين الناس في محيطهم الأسري والاجتماعي تمد جسور التواصل والانجذاب بينهم، وأعظم ألوان الرحمة ما نراه في قلب الوالدين وخصوصا الأم تجاه أبنائهم وما تحتضنه أفئدتهم من مشاعر فياضة لا توصف.

ولا يسعف العبد وينتشله من آهاته وآلامه ويعطف عليه بقضاء حوائجه إلا رحمته عز وجل التي وسعت كل شيء، فلطفه في كل ثنايا وجزئيات حياته وأموره المادية والمعنوية، فسبحانه مسبب الأسباب لرفع عوزه أو شفاء مرضه أو دفع ما يخاف منه، والجانب المعنوي في حياته يشغل باله أكثر وذلك أن مقارفته للذنوب وتقصيره في أداء واجباته العبادية لا يسد خلتها وضعفها إلا الرحمة الإلهية، فيطلب منه تعالى نورا يتسلل إلى قلبه يخرجه من دهاليز الغفلة والشهوات، وصفحا من الباري عما اجترحه من سيئات، ولا يشرح صدره إلا الإحساس بهبات الرحمة.

لا تخلني من رعايتك: أما التعلق بالإرادة فيعني انكشاف الخيبة والخسران عنده لو سار خلف رغباته ورؤاه المشبعة بالآمال، فتهفو نفسه نحو مسير يرتبط بما يريده منسجما مع عالم الآخرة فلا يخربه، وليس هناك بد من التسديد والإرادة الإلهية تخطط لحياته وتحركه بما يضمن له تماما المصلحة الخالصة، وإن كان بعض الأحداث في ظاهرها الضرر كالابتلاء بالهم والإخفاق والمشاكل والفقر والمرض، ولكنها تكتنف في باطنها الكثير من الخير والثواب والدروس والعبر والتصويب لمسيره، وهذه الومضة المعرفية تدعوه للتسليم الدائم لقضاء الله تعالى وتدبيره في كل أحواله، ولذا يستغيث ربه بالتخلص من أهواء نفسه وشهواتها ويبقيه مستظلا بعنايته وتدبيره سبحانه وتعالى.

إصلاح الشأن: هو تهيئة الأسباب الموجبة لاستقامة أمره وفكره، ومنها تلك العطايا والنفحات والتوفيق لما يحبه عز وجل وتجنيبه موارد الزلل والسخط، ومن الأسباب المعينة والموجبة لسعادة الحياة الدنيا هي صحة البدن وقوته وسلامة الحواس لأداء العبادات، وتحصيل ما يكف به نفسه وأهله عن أيدي الناس من الرزق الحلال، ومن التوفيق الإلهي الذي يعد من موارد إصلاح الشأن الهمة في الطاعة كصلاة الليل وتلاوة القرآن وصفاء القلب من الأحقاد لمن أساء له.