آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:55 م

الحياةُ عارية

ليس عصفا ذهنياً أن أكتبَ في يومٍ جميلٍ عن تعري الحياة وانكشافها دون سترٍ في روعتها، فبعيد الفجرِ رأيت ظلمةً قطعت عليَّ الطريق ولما كدت أن أصطدم بها رأيتها شاحنةَ الذي ربما كان الموت! ننام كل ليلةٍ وتحت أهدابنا تغفو الكثيرُ من الأحلامِ والآمالِ بأن في الحياةِ متسعٌ لكل تلك الأمنيات وهو كذلك ودون أن نرى نصطدم بجدارِ الحقيقة! حقيقةٌ ليس فيها ما يبعث على البهجةِ أو الغم إذ ”فلربما ذُبح السمينُ وعُوفيَ المهزولُ“، وربما نجا من صالَ بالسيف وماتَ من احتمى بالخباء. دقائق توجسنَا من الحتميةِ الوحيدةِ في الحياة صورها إيليا أبو ماضي «1889 - 1957م» في قصيدته ”سمعت عويل النائحات عشية“:

كانَت تُمازِحُني وَتَضحَكَُ فَاِنتَهى

دَورُ المِزاحِ فَضِحكَها تَفكيرُ

قالَت وَقَد سَلَخَ اِبتِسامَتَها الأَسى

صَدَقَ الَّذي قالَ الحَياةُ غُرورُ

أَكَذا نَموت وَتَنقَضي أَحلامُنا

في لَحظَة وَإِلى التُرابِ نَصيرُ

وَتَموجُ ديدانُ الثَرى في أَكبُدٍ

كانَت تَموجُ بِها المُنى وَتَمورُ

خَيرٌ إِذَن مِنّا الأُلى لَم يولَدوا

ومِنَ الأَنامِ جَلامِدٌ وَصُخورُ

هل فعلاً نحن نموت ثم لا شيء؟ أم نبقى مثل حبوبِ الحنطةِ والشعير التي تسقط من القوافلِ على جانبي الطريق، تذروها الرياح ويوماً ما تقع في أرضٍ خصبة ويوماً ما تمطر السماء، ثم تعود الحبوبُ أشجاراً مخضرةً يانعةً ومثقلةً بالسنابل، أم نحن مثل الشجرِ الذي يقطع الزارعُ أغصانه في أواخرِ الحصاد ليفيقَ مارداً أخضراً، ويعطي ثماراً يانعةً في موسمِ الحصاد القادم؟

مر في ذاكرتي يوم أمس أستاذٌ أعطاني درساً عام 1983م، قبل أن يولد الكثيرُ من صبايا وصبيات اليوم، فطبعت اسمه في لوحةِ البحث وجاءت أنه ماتَ عام 2009م. لا شيءَ فيما وجدتُ فكل الناس يموتون، سوى أنني سألتُ نفسي أهكذا نسقط من لوحةِ البياناتِ وكأننا لم نكن؟ كان كهلاً مفتوناً في معرفته، كتاباته ومحاضراته وشهاداته تملأ دنياه!

حيرةٌ أوجز الجوابَ عنها الإمامُ علي بن أبي طالب بأنها ليست المشكلة الأوحد في قوله:

ولو أنا إذا متنا تُركنا

لكانَ المَوْتُ راحَة َ كُلِّ حَيِّ

ولكنا إذا متنا بُعثنا

ونُسأل بعد ذا عن كل شي

أكاد أجزم أن تعري الحياة يستر كل الحقائق عن أكثر البشر، بعض الوجلِ والرعشة في عواصف المحن أو الذكريات ثم نعود نزرع ونأكل ونبني وهكذا هي الحياة!
إنّ الحياةَ قصيدةٌ أعمارنا
أبياتها، والموتُ فيها قافية
متّع لحاظك في النجومِ وحسنها
فلسوف تمضي والكواكبُ باقية
" إيليا أبو ماضي"

مستشار أعلى هندسة بترول