آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

المستقبل.. الاستشراف

محمد أحمد التاروتي *

عملية استشراف المستقبل تنم عن قدرة غير اعتيادية، لدى عينات او شخصيات، فهذه الشريحة تعمل باتجاه احداث تحولات كبرى في المسيرة البشرية، فالعملية مرتبطة بأغراض متعددة، فالبعض منها مرتبط بمصالح شخصية، من اجل التوسع العمودي والأفقي للمشاريع الشخصية، مما يسهم في تعظيم الربحية، والتوسع المستمر، بينما تنطلق عملية الاستشراف المستقبلي، لدى البعض الاخر من الأزمات التي تعيشها والتحديات التي تواجهها، مما يدفع باتجاه ايجاد الحلول المناسبة، لتجاوز الصعاب بطريقة مبتكرة، بحيث يسهم في احداث تطور غير مسبوق على الصعيد العلمي، والتكنولوجي، وبالتالي فان استشراف المستقبل تدخل ضمن اليات التحديات، التي يخوضها البشر في معترك الحياة، سواء للتغلب على المنافسة الداخلية بغرض البقاء في الساحة لسنوات طويلة، او نتيجة الصراعات الخارجية المستعرة، مما يدفع باتجاه تشكيل مراكز أبحاث، لدراسة الخيارات المتاحة للخروج من الصراع باقل الخسائر، او توجيه الضربة القاسمة بواسطة تسخير العلم في جميع مراحل الصراع القائم.

الطموحات الكبيرة تستوجب التحرك باتجاه رسم أهداف كبيرة، من اجل التحليق عاليا بعيدا عن اصحاب التطلعات المتواضعة، لذا فان اصحاب الهمم العالية يحاولون وضع الخطط المستقبلية، ومحاولة رسم صورة خيالية للعقود القادمة، بهدف وضع الحلول المناسبة للتعاطي مع التحولات الكبرى مستقبلا، لاسيما وان التوقف عن التفكير المستقبلي يهدد التطور المتواصل والمطلوب للمشاريع على اختلافها، نظرا لافتقارها للآليات القادرة على الانسجام،، او التأقلم مع الاحداث الجديدة.

عملية التحرك باتجاه المستقبل بخطى ثابتة، تتطلب ايجاد الاليات والامكانيات اللازمة، خصوصا وان التفكير بحد ذاته لا يحقق الهدف المنشود، وبالتالي فان وجود العقول العلمية القادرة على وضع التصورات المناسبة احد الاشتراطات الاساسية، للسير بشكل صحيح باتجاه المستقبل، الامر الذي يفسر اهتمام الدول المتقدمة باحتضان العقول البشرية، باعتبارها المخزون الحقيقي لتوليد الافكار غير التقليدية، فهذه العقول بامكانها وضع بعض الامم في المقدمة، نتيجة الانجازات العلمية التي تسجلها بشكل مستمر، بحيث تترجم على شكل افكار غريبة للمرحلة الراهنة، بيد انها تصبح مشاريع علمية في السنوات القادمة، جراء تطور الفكر الانساني في مختلف المجالات من جانب والشعور باهمية تلك الافكار على المسيرة الانسانية.

المراكز البحثية تمثل الحاضنة الحقيقية، لترجمة الكثير من الافكار الاستشرافية، فهذه المراكز تحتضن خيرة العقول العلمية في الجامعات، مما يجعلها قادرة على التفكير، بشكل مغاير عن الفكر السائد حاليا، الامر الذي يفسر طرح العديد من الافكار غير المستساغة، بشكل مستمر بالدراسات العلمية، بعضها تجد استجابة سريعة من اصحاب القرار، والبعض الاخر يرفض نتيجة عدم القدرة على استيعابها، مما يحرم البشرية من الاستفادة منها خلال فترة زمنية، بيد ان تلك الافكار تجد من ينفض الغبار عنها في السنوات القادمة، بحيث تتحول الى إنجازات غير مسبوقة.

مقاومة مختلف اشكال التثبيط الصادرة من اصحاب الهمم المتواضعة، تمثل خطوة اساسية لوضع الخطوة الاولى باتجاه المستقبل، فالبعض غير قادر على هضم التفكير غير الاعتيادي، مما يدفعه لمحاربة جميع المحاولات الساعية لتجاوز الوضع الراهن، تارة بالتشكيك في جدوائية هذه المشاريع على مسيرة الأمة، واخرى بواسطة التهويل من الاثار المترتبة على الدخول في المجهول، مما يؤسس لصراع قوي بين اصحاب النظرة المستقبلية، وفريق الركون الى الارض.

كاتب صحفي