آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

موسيقى صوت البشر

سمعَ الإنسانُ يوماً صوتَ أمه تهدهده فارتاحَ وسكن، ثم سمعَ صوتَ نايٍ فأشجاهْ، وصوتَ عودٍ فأطربهْ، وصوتَ حمارٍ فأنكره. وصوتَ إنسانٍ ففرح وناداه!. ولكي يُعبر عن عميقِ فرحهِ، أو فرطِ أساه، جاءَ بالٱتِ الموسيقية التي تنقل أحاسيسهُ الى مدىً أرحب وكأنه يود أن يصلَ صوته إلى السماء. صوتُ الناي يشجي وأوتارُ العودِ تطرب، لكن ليست بدونِ موسيقى صوتِ الإنسان! في كل الآلات يبقى صوتُ الإنسانِ هو أجمل ٱلةٍ موسيقيةٍ تبكيك عندما تبكي وتجعلك تطيرَ فرحاً عندما تتهادى بالأنغام. هل رأيتَ نفسك تحتاجَ إلى دليلٍ في كل لغاتِ البشر، لكنك تعرف أصواتَ المشاعرِ المفرحة أو المحزنة في كل اللغات؟

امتازت شعوبٌ ومجتمعاتٌ بتلك الآلة الموسيقية التي نحتها الخالق فيهم فلربما أبدع أبناءُ الشواطئ وضفافِ البحار في توارثها وإجادة استعمالها، إذ أنهم عرفوا التيهَ والترحالَ والحزنَ والفرحَ في البحر، واشتهر فيها مجتمعاتٌ نقلت الحزنَ والمٱسي في أجيالها وتاريخها. أطربَ العربُ الحُداةُ النوقَ في سيرها والخيلَ العربي الذي عرف موسيقى أصواتهم وقعقعةَ سلاحهم في الحرب، وامتدت كثيرٌ من مآسيهم في الزمانِ والمكانِ لتسكن الأصواتُ الحزينة في الشرقِ أكثر منها في غيرها من جهاتِ الكون!

هل فكرت يوماً كيف أن مليارات البشرِ يأتونَ ويذهبونَ ومع كل واحدٍ منهم آلة بسيطة تتشابه كثيراً في تكوينها ولكنها تحدث موسيقى تكاد تكون مختلفة تماماً من إنسانٍ لآخر حتى أنك تستطيع أن تغمض عينيك وتقول هذا فلان؟ موسيقى تأتي من حبالٍ صوتيةٍ وحنجرةٍ ورئتينِ ولسانٍ وشفتين، والمشاعر تبعثها حيةً في موجةٍ قادرةٍ على التحرك في الهواء.

على رمالِ شواطئِ الغرام موجاتٌ رومانسيةٌ نبعث بها رسائل لمن نحب في نعومتها ورقتها، ولا يهم في حماوةِ الوجدِ ماذا في الرسائل بل كيف نبعثها، ونبعث بها نذراً لمن نحارب في خشونتها وعنادها، وسكوناً لمن نصد عنه في حبسها، ورسائلَ صفحٍ في انكسارها.

موسيقى أصواتنا التي تصنعها حبالنا الصوتية في رحلتهَا في الكونِ تذهب بذاتِ السرعة في كل الاتجاهاتِ وفي خطوطٍ مستقيمة تختلط بموجاتِ موسيقى الكونِ الأخرى مثل السياراتِ والرياحِ وأصواتِ البشر الآخرين والطبيعة، وكأنها ترحل وتذوب في كل شيء ويبقى اللهُ قادراً أن يعيدها مرةً أخرى كما يعيدنا. تصيبنا الخيبةُ عندما لا تسمع الناسُ أصواتنا، وإذا سمعوها لا يعوها، لكنها ليست الناس فقط فحواجزُ الطبيعيةِ بعضها ناعمةٌ تمتص كل موجاتِ أصواتنا وبعضها صلبةٌ عنيدةٌ ترتطم بها أصواتنا وترتد عنها بعد أن تفقد شيئاً من قوةِ انبعاثها.

كانت كل الأصوات تزعجنا وبعد أن ننام كل الأجراسِ لا توقظنا وبين هذا وذاك أجمل الموسيقى يبقى صوتُ أمنا عندما تهز مهدنا وتقول: استيقظ أيها الصغير، استيقظ أيها الصغير.  إننا عندما نكبر في السنينِ ونعمر في الخلق، تفقد موسيقى أصواتنا فخامتها وقوة انبعاثها وتزداد في خشونتها ويصيبها الإعياء، لكن أصوات من نعشق تبقى أفضل الآلات التي تبعث الدفء فينا.

من يشتري ما بقي من عمري ويعيد لي ذاكَ الجرس؟

مستشار أعلى هندسة بترول