آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

الوجاهة.. الثمن

محمد أحمد التاروتي *

الحصول على المكاسب دون التفكير في تقديم بعض التنازلات، امر لا ينسجم مع ايقاعات الحياة، ومتطلبات تبادل المنفعة بين البشر، فالعملية مرتبطة بقانون يقوم على ضرورة البذل مقابل الاخذ، وبالتالي فان محاولات التحرك وفق مسار الاخذ، لا يجلب سوى الهجران والعزوف الاجتماعي، لاسيما وان الطبيعة البشرية ترفض ”الانانية“، وتفضل التوازن بين النوازع الداخلية الساعية للاستحواذ، والتحرر من السيطرة عبر تقديم بعض التنازلات، مما يفرض ايجاد مسار متوازن في معترك الحياة، سواء داخل المجتمع الضيق او الواسع.

الوجاهة ليست حياة وردية، او نعيما دائما، فالصلاحيات الممنوحة لاصحاب الوجاهة، تفرض العديد من الالتزامات تجاه البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان التغافل عن الالتزام بتلك المسؤوليات، يفقد هؤلاء الاحترام الاجتماعي، وينبي حاجزا نفسيا في شبكة العلاقات الانسانية، فالمجتمع ينظر للوجاهة الاجتماعية كنوع العلاقة التعاقدية، مما يستدعي توطين النفس على الاستجابة، للنداء الاجتماعي بشكل مستمر، فالتأخر في معالجة الاشكالات، والخلافات الداخلية، يولد حالة من الامتعاض، واحيانا عدم الرضا، خصوصا وان المناصب القيادية تتطلب الوقوف في الصفوف الامامية في جميع الظروف، وبالتالي فان التنعم بالمكاسب في اوقات الرخاء، لا يعني التراخي في التعاطي المسؤول، مع الازمات في الاوقات العصيبة، نظرا لكونها ضمن التحركات الطبيعية على الدوام.

ثمن الوجاهة الاجتماعية يختلف باختلاف الظروف الزمانية والمكانية، فهناك ضريبة تكون باهضة الثمن في بعض الازمات الشائكة والكبرى، وهناك لتنازلات طفيفة في بعض الاشكالات الجانبية، وبالتالي فان المطلوب تحمل تبعات المكاسب الناجمة عن الوجاهة الاجتماعية، خصوصا وان التعاطي بالدبلوماسية، والسعي لامتصاص ردات الفعل ينم عن وعي كبير، بمعنى اخر، فان محاولة التواري خلف المبررات، والتراخي في التفاعل مع الازمات الداخلية، يحدث فجوة في شبكة العلاقات الاجتماعية، فالمجتمع يتفاعل ايجابيا مع التحركات المسؤولية، مما يوثق العلاقة بين الطرفين، ويعزز من قدرة الوجيه على الامساك بزمام الامور، والحصول على المزيد من النفود، والكثير من المكاسب، على الصعيد الشخصي والاجتماعي.

التحرك المتوازن في معالجة المشاكل الاجتماعي، مرتبط بوجود وجاهة قادرة على التحكم بالامور، والابتعاد عن تضخيم الاشياء، بحيث تلعب دورا رئيسيا في تقريب وجهات النظر، ومحاولة الانتقال من حالة القطيعة الكاملة، الى الاقتراب عند مناطق مشتركة، من اجل تقليص الهوة الفاصلة بين الاطراف، وبالتالي فان الوجاهة الاجتماعية تشكل محورا ضروريا لجمع الخصماء، والعمل على ايجاد القواسم المشتركة، بينما محاولة ادارة الظهر لتلك المشاكل الاجتماعي، ورفض النداءات الصادقة، لاعادة المياه لمجاريها، تعتبر نقطة سوداء في تاريخ الوجاهة الاجتماعية، مما يؤسس لمرحلة جديدة لايجاد البدائل الاخرى، الامر الذي يسهم في احداث انقلاب اجتماعي كبير، بحيث تخسر الوجاهة الاجتماعية مكانتها السابقة، نتيجة فتور العلاقات الاجتماعية، وغياب الاطار الجامع في الروابط الاخلاقية، القائمة بين المجتمع والوجاهة الاجتماعية.

سيطرة نزعة الاخذ، والتغافل عن العطاء، يولد انقساما كبيرا في سلسلة الروابط المعنوية، والاخلاقية، بين الوجاهة الاجتماعية والمجتمع، بحيث تحدث حالة من الطلاق ”الرجعي“ احيانا، و”البائن“ احيانا اخرى، فالعملية مرتبطة بمدى التجاهل القائم بين الطرفين، فاذا كانت بسيطة تكون تداعياتها متواضعة، بينما تكون عميقة وكبيرة بالنسبة للقضايا المفصلية والمصيرية.

كاتب صحفي