آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

الروح في صيحات الهولو واليامال

عباس سالم

الصيحات والأرواح التي يطلقها النهام من حنجرته تناديني عندما يخيم ألم ما في خاطري، وأعرف بأن الكثير من الأشياء تذبل وأخرى تموت في زمن التشكيلات السريعة التي همشت كل ما هو ماضي..!!

في الماضي كان للفن الشعبي ذوقاً خاصاً بين الناس في المجتمع، فهناك فرق شعبية لهذا الفن لها ثقلها في البلاد مثل: فرقة عبدالله سعود «بتاروت» وفرقة حبيب فريج «بسنابس» وفرقة المهنا «بدارين»، هذه الفِرَق تقوم بتأدية العروض الشعبية في الأعراس والمناسبات الوطنية.

الفلكلور الشعبي التي تؤديه الفرق الشعبية لإسعاد الناس في المناسبات الوطنية وفي الأعراس، لها حسٌ شعبي مع الأهازيج التي تنطلق من حناجرهم في تلك المناسبات، وأجملها الدور التي تقوم به في الأعراس أثناء زفت العريس في القرية، مرددين ”يا معيريس... عين الله تراك... القمر والنجوم تمشي وراك“ بهذه الكلمات الجميلة كان العريس يزف في ليلة من أحلى ليالي العمر وهي ليلة الزواج.

إن الفن الشعبي كان معلماً حضارياً وثقافياً رافق أهالي المدن المطلة على الخليج العربي في الماضي، وكان البحَّارة يقومون بأداء العروض الشعبية للهولو واليامال بطلها ”النهام“ على أسطح سفنهم التي تعانق الأمواج العاتية وهم في طريقهم للغوص بحثاً عن اللؤلؤ والمرجان، ذلك ألكنز الذي يبحثون عنه بالغوص في أعماق خليجنا العربي.

”النهام“ هو ذلك الرجل صاحب الصوت الشجي الذي يقوم بالنهم أو الموال شجواً بصوته من على سطح ”اللنچ“ بالهولو واليامال لتشجيع البحَّارة والغواصين على الحماس في العمل، مستخدماً أبيات شعرية جميلة قد تكون من تأليفه أو من تأليف أحد الشعراء في البلدة، وكم كان صوته جميلا وهو ينثر إبداعاته بلغة ”الفطرة“ لأناس لم يعرفوا يوما لغة ”العصر“ الدسائس والخداع ونخر سفنهم بمسامير القيل والقال.

لم تعد البساطة في الماضي عنوانا لذلك ”اللنچ“ الذي صال وجال في بحور الخليج العربي، نهل منها اللؤلؤ والمرجان ومختلف الأصداف وغيرها من الكنوز البحرية، وأسعد كل من كانوا ينتظرون عودته على ”السيف“، وفي وقتنا الحاضر تغير الحال وتغيرت النفوس فكان لابد من الغرق، بعد أن نخر البعض في خشبه وحديده لسنوات، وخرج كل واحد منهم ليعلن أمام الملأ أن الماء هو من طفح للقارب، ونسوا المسامير التي دقوها وبقوة إما لغرق قاربهم أو لانحرافه عن مساره..!!

الفن الشعبي هو جزء لا يتجزأ من التراث الوطني لأهل الخليج العربي، الذي كان القدماء من الناس في المجتمع يستمتعون بأدائه في البر والبحر، مستخدمين الطار والطبلة وهما العنصران الأساسيان له، ذلك الفن بدأ بالانقراض بعد وصول أعاصير أتت إلينا من خارج البلاد وقضت على موروثنا الشعبي الذي يتميز به كل أهل الخليج، والذي لا زال صدى هذا الفن محافظاً عليه في معظم دول الخليج العربي.

خلاصة الكلام هي إن الكثير من دول العالم لديها تراثاً وطنياً ظلت محافظة عليه لأنه جزء من هويتها، بينما نحن ضيعنا إرثاً تاريخياً للهولو واليامال بنوه الأجداد في زمن الغوص، وتغنوا به على سفنهم حين تقطع المسافات بين خليجنا العربي بحثاً عن اللؤلؤ والمرجان، فأين هو اليوم؟.