آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

ألفُ تحيةٍ لك

اليوم هو 8 اذار/مارس، يوم المرأةِ العالمي، وهو احتفالٌ عالمي يحدث في ذاتِ اليومِ من كلِّ عام،  ويقام للدلالةِ على الاحترامِ العام، وتقدير وحب المرأة واعترافاً بمنجزاتها في جميعِ المجالات.

أمي أقدم عاملةٍ عرفتها في حياتي، ولدت قبلَ عام 1977م بسنين عديدة، أول سنةٍ اعتمد فيها هذا اليوم، ولم تسمح لها الدنيا بإجازةِ أمومة، أو عطلة عمل، أو حقوق خدمة. كان على أمي أن تجلبَ الماءَ من بعيد في أوانيَ تحملها على رأسها الناعم وان تعينَ والدي في العنايةِ بالزرعِ والنخيل وأن تعد لنا الأكلَ ثلاثَ مراتٍ كل يوم وتجهد لتشعل النارَ في الحطب، قبل الغاز والكهرباء، وتخض اللبن، ثم تهتم بوالدي.

كان أصعب عملٍ هو أن تحملنا في بطنها واحداً بعد آخر، عشرةَ صغار من بقي لها قيدَ الأحياء ننتظر عملها كل يوم. عاشت أمي في فترةٍ اقتصاديةٍ أقسى من الحديد، فاشترت وباعت وخدمت الماشيةَ والبقر، وتاجرت في شراءِ وبيعِ ما استطاعت أن تشتري وتبيع. كان مَثَلُهَا عندما ترى السماءَ سوداءَ، والغيوم لا تكاد تنجلي، ”بكرة تكبر الصغار وتعمر الديار“، ولكن القدر لم يمهلها طويلاً لتجني شيئاً يذكر من ثمار تعبها.

ما كانت تنجزه أمي من عملٍ يحتاج إلى عصبةٍ من البشر ليقوموا به ولم تكن امرأةً خارقةَ القوى، ولكن هكذا كانت ولا تزال الحياةُ قاسيةً على المرأة. يعتذر الرجلُ عن عونه المرأةَ بأنها لديها القدرة على إنجازِ مهماتٍ عدة في آنٍ واحد، فبالتالي هي قادرة على نقلِ الصخورِ من قممِ الجبال ويستريح هو! لا، ليست المرأة لا متناهيةً في القوة، ولكنها خزان الصبرِ والعزم والحب.

رأيتُ أمي شابةً سمراءَ فارعةَ الطولِ منتصبةَ القامة في قبضةٍ من حديد،  لكن عودها انثنى وغزى الشيبُ مفرقهَا، وارتخت القبضةُ في صبيحةِ يومٍ ماتَ فيه أحد اخوتي، وانكسرت في ساعةٍ واحدة وقالت: هذا اليوم ليس كما قبله وليس كما بعده. لكِ في هذا اليوم يا أمي ولكل نساءِ الدنيا الفَ تحية، شوك الحياةِ يحتاج ورداً أحمر، أنتم الورد، وصيف الدنيا الحارق يحتاج ربيعاً مزهر، وأنتم الربيع المورق. لكِ أيها المرأة ألفَ تحيةٍ، تبعثين السلامَ والأمنَ والحبَّ أينما حللتِ، فليباركك الله، تصلحينَ ما يفسده كثيرٌ من الرجال!

بعد هذه السطور سألتُ نفسي لم كتبتَ في شأنٍ خاص؟ فوجدتُ الجوابَ في الستينَ سنةً التي عشتها وللآنَ لم أدرك قوةَ وعظمةَ المرأة في أمي. حولتني المادة دميةً في مسرحِ الحياةِ يشدني خيطٌ رفيعٌ إلى أشياء تافهة، ونسيتُ من حملني رباني وعلمني وغذائي، فربما أنت شابٌ تقرأ ما كتبتُ ولكَ أمٌ في حياتكَ أو زوجة أو أختٌ، فلا تنتظر ستينَ سنةً وحين تسقط من مجال رؤيتك تبحث عنها!

مستشار أعلى هندسة بترول