آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

التنازلات.. الهزيمة

محمد أحمد التاروتي *

تختلف التفسيرات المتعلقة بتقديم التنازلات، فهناك من ينظر اليها كنوع من الخنوع والهزيمة، بينما ينظر البعض الاخر لهذه الخطوة كنوع من أنصاف الحلول، ومحاولة الخروج باقل الخسائر، خصوصا وان الصدام لا يخلف سوى الخراب والتدمير، واستنزاف الموارد الوطنية والمالية والطاقات البشرية.

ينطلق أنصار الفريق الاول من قناعات، تدعو للمواجهة وعدم الاستسلام، انطلاقا من مبدأ ”العالم لا يحترم سوى الاقوياء“، وبالتالي فان اظهار الضعف وتقديم التنازلات، يضر بالمصالح القومية والاجتماعية، مما يدفع الاطراف الاخرى لممارسة المزيد من الضغوط، من اجل الحصول على اكبر قدر من المكاسب، بحيث تقود لفقدان استقلالية القرار، ويحرم الأمة من التمتع بقراراتها المصيرية، الامر الذي يستدعي الوقوف بقوة امام مختلف انواع الضغوط الداخلية والخارجية، نظرا للاثار السلبية المترتبة على الرضوخ لتلك الضغوط، انطلاقا من المقولة ”خير وسيلة للدفاع هي الهجوم“، فالبعض لا يرتدع سوى بالعين ”الحمراء ء“، واظهار القوة والاستعداد لمواصلة الطريق حتى النهاية.

التجارب العالمية تدفع باتجاه تصعيد المواجهة، وعدم اظهار الضعف، ورفض تقديم التنازلات، لاسيما وان المنتصر يعمد لممارسة مختلف انواع الاذلال، وسلب الارادة للطرف المهزوم، وبالتالي، فان الاستفادة من التجارب العالمية تدفع باتجاه الصمود، وعدم الاستسلام مهما كانت التضحيات، خصوصا وان الاثمان المقدمة لا تساوى الذل، والهوان المترتب على رفع الراية البيضاء، بمعنى اخر، فان الأمة التي تفقد قرارها تبقى مرهونة، لارادة الطرف المنتصر على الدوام، بحيث يصعب عليها اتخاذ القرار، بعيدا عن موافقة المنتصر، سواء القرارات المصيرية او الهامشية.

بينما يرى الطرف الثاني، ان التنازلات ليست مرهونة بفقدان الاستقلالية، او انعدام حرية القرار، او تكبيل اليدين بشكل مطلق، فالعملية خاضعة للتوازنات على الساحة، خصوصا وان المتغيرات والمستجدات تفرض انتهاج سياسة معينة، الامر الذي يدفع باتخاذ تلك الاعتبارات بالحسبان، لاسيما وان تشابك المصالح، وعدم التفريط بالفرص المتاحة، يشكل احد الحوافز لتقديم بعض التنازلات، من اجل الحصول على العديد من المكاسب، سواء على المدى القصير او المتوسط او البعيد.

المخاوف من فقدان استقلالية القرار، ليست واقعية على الاطلاق، لاسيما وان البعض يمارس الكثير من التشويش، والمزيد من التضخيم لتصوير الامور بخلاف الواقع، فالتنازلات ليست مقصورة على طرف واحد فقط، فالأطراف المختلفة تحرص على تسجيل انتصارات، مقابل تقديم بعض التنازلات، نظرا لحرص الجميع على الالتقاء عند نقاط مشتركة، مما يشكل انتصارا لمختلف الاطراف، وبالتالي فان التنازلات التي تقدم باليد اليمني، تتناولها باليد اليسرى بطريقة مغايرة.

الاختلاف الحاصل في تفسير التنازلات، ينطلق احيانا من التوجهات الفكرية والسياسية، فكل فريق يحاول الانتصار لقناعاته بطريقته الخاصة، الامر الذي يفسر تسخير المنابر الاعلامية للمناكفة، ومحاولة كل طرف تبرير قناعاته، من اجل استقطاب الرأي العام، وسحب البساط من تحت اقدام الطرف المقابل.

التباين في القناعات في النظر للتنازلات، مرده الاختلاف الكبير في التوجهات الثقافية والسياسية، خصوصا وان المواقف السياسية تلعب دورا محوريا، في الوقوف مع احد الاطراف، وبالتالي فان انتصار احد الاطراف، مرهون بالقدرة على اسكات الأصوات المعارضة، الامر الذي يصعب تحقيقه، نتيجة الاختلافات الفكرية والسياسية، في جميع القضايا الصغيرة منها والكبيرة.

كاتب صحفي