آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

التباكي.. الانتهازي

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض من ”دموع التماسيح“ بوابة لتحقيق بعض المكاسب، من خلال إطلاق المواقف ”النارية“ للتلاعب بالعواطف، والحصول على التأييد الشعبي، فهو لا يترك مناسبة صغيرة او كبيرة دون الاستفادة منها، بهدف زيادة الرصيد الاجتماعي والسياسي، اذ يتخذ من جراحات الاخرين وسيلة للعبور الى البيئة الاجتماعية، نظرا لامتلاكه الأدوات اللازمة للوصول الى الناس، مما يحفز على الاستمرار في لعبة ”التباكي“، بمجرد بروز حدث مأسوي يستقطب الرأي العام.

لعبة ”التباكي“ تتطلب مهارات عالية، وقدرات استثنائية، خصوصا وان التباكي تستدعي التنازل عن المبادئ الاخلاقية مؤقتا، من خلال اظهار التعاطف المزيف، وغير الحقيقي، وبالتالي فان هذه اللعبة وسيلة للوصول الى الاهداف المرسومة، مما يفرض استخدام التمثيل اداة لاقناع الاخرين، لاسيما وان تحقيق المآرب الخاصة يستدعي استخدام الوسائل الاخلاقية احيانا، وغير الاخلاقية تارة اخرى، نظرا لاستخدام آهات وعذابات واحزان الاخرين لإطلاق المواقف، بعيدا عن المشاعر الانسانية التي تفرض استخدام بعض المفردات احتراما لعواطف الاخرين.

استخدام الدمعة المزيفة لإظهار التعاطف الانساني، يمثل إبراز ملامح التباكي الانتهازي لدى بعض الاطراف، حيث تحاول هذه الفئة إطلاق المواقف المتشددة، واحيانا غير المتوازنة لاستدرار العواطف، بغرض الحصول على التصفيق، واحداث حالة من الابهار لدى شرائح اجتماعية عديدة، فهذه الفئة معروفة ومفضوحة لدى الكثير من المجتمع، بيد انها تمارس الخداع الذاتي عبر الاستمرار في ترويج بضاعتها الكاسدة، نظرا لوجود شرائح مستمرة في شراء هذه النوعية من البضاعة الفاسدة.

الانتهازية الممجوجة، تعمد للدوس على جراح الاخرين، كونها الطريقة المثالية لاستمرار الوهج الاعلامي، فالأطراف الانتهازية تعتبر الاحداث المأسوية، بيئة خصبة لإظهار مهارات التلاعب بالمفردات، واخراج فنون الخطابة، لاسيما وان العملية لا تتعدى بعض الكلمات بعيدا عن الترجمة على ارض الواقع، بمعنى اخر، فان الاطراف الانتهازية تتواري للخلف بمجرد المطالبة بترجمة المواقف النارية على ارض الواقع، بينما تكون الامور اكثر انسيابية مع استمرار المواقف الكلامية، واظهار التباكي المزيف، فهذه النوعية من المواقف لا تكلف كثيرا، بقدر ما تجلب بعض المكاسب، لدى الرأي العام.

القدرة على تجيير وسائل الاعلام، لإظهار التباكي بالشكل المطلوب، تلعب دورا حيويا في إيصال الاهداف الشخصية، لمختلف الاطراف، سواء كانت المؤيدة او المناوئة، لاسيما وان التعاطف يسهم في زيادة الرصيد الشعبي، على المدى القصير والمتوسط، فيما تتلقى الأوساط المناوئة تلك المواقف بنوع من الريبة والشك، نظرا لادراكها بالأغراض الحقيقية وراء انتهاج هذه الطريقة، بيد انها غير قادرة على الوقوف في وجه التيار الجارف، نظرا لوجود عاصفة قوية من التعاطف، مع هكذا مواقف متشددة، مما يدفعها لمحاولة امتصاص حالة الغضب مؤقتا، من خلال التركيز على المواقف المتناقضة، باعتبارها احد الأساليب لتعرية الاطراف الاخرى، ومحاولة وقف تيار التأييد الشعبي.

التباكي سياسة اصحاب المواقف الانتهازية، فهذه النوعية من الممارسات، لا تستخدم من لدن حملة المبادئ الاخلاقية، باعتبارها وسيلة وضيعة للغاية وغير انسانية، لاسيما وان استخدام آهات الاخرين لتحقيق مكاسب جريمة كبرى، مما يستدعي انتهاج طريقة لتعرية حملة الفكر الانتهازي، لإعادة القيم الاخلاقية للمسار السليم، عوضا من استخدامها وسيلة للوصول الى الاهداف المشبوهة، وغير المنسجمة مع المبادئ الفاضلة، التي تحاول البشر بثها كثقافة عامة في المجتمع.

كاتب صحفي