آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

سرك في بئر!

ورد عن الإمام الجواد : «إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له» «بحار الأنوار ج 72 ص 71».

إذا نظرنا إلى ما حولنا رأينا سنة تتحكم ببلوغ النهايات وهي المرور بمراحل متعددة، وحرق المراحل بمعنى الاستعجال بتخطي إحداها يؤدي إلى إفساد الشيء، فذاك المزارع لا يصل إلى يوم الحصاد إلا بعد عمل جاد ومتعب يمر فيه بمراحل تبدأ من تهيئة الأرض لتصلح للزراعة وما يتلوها بعد ذلك، والإنسان الناجح كما يحافظ على هذا المخطط الزمني فإنه يستعين بإبقاء عمله وخططه المستقبلية طي الكتمان فذاك أدعى لتحققها، فلعله في إفشاء سر له أو لغيره يوقع نفسه في مطب يعرقل ذاك العمل.

من دروس الحياة والعمل الاجتماعي الذي يقدمه لنا إمامنا الجواد القدرة على ضبط إيقاع النفس والجوارح وفق آليات التخطيط المدروس، وإبقاء خطواتك طي الكتمان ولجم اللسان عن الانفلات والثرثرة من هنا وهناك، فيقيك كتمان الأسرار ضياع الجهود واستنزاف طاقتك وتشتيت تفكيرك.

البعض يحرص على إظهار كل شيء في حياته وكأنه يتحدث مع نفسه بصوت عال يسمعه الجميع، فيحول بوصلة عمله وجهوده من الإتقان في الأداء والحرص على الانتهاء بأفضل صورة إلى مهارات التفلسف والإبراز الوهمي للعضلات الفكرية والمهارية بعرضها أمام مرأى الناس، ومن يكون صفحة واضحة يقرأ الجميع أسطرها يوقع نفسه في جملة من الأخطاء.

مظهر القوة في شخصية الإنسان ضبط النفس والعمل وفق التخطيط المحكم بعيدا عن التهور وعشق البروز الاجتماعي، ومن أهم ركائز الضبط هو امتلاك الإرادة القوية «الفولاذية» والتي يؤمن بها نفسه بعد الاتكال على الله تعالى من الإصابة بالندم أو اليأس بعد تبين إخفاقه، فيحتفظ بأمور يعتبرها من الأسرار التي تصان بكتمانها، ويرتكب بإذاعتها خطأ فادحا قد يندم عليه كثيرا، فيتمنى أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء ليتحكم بنفسه ولا يفشي تلك الأسرار، فقد يطلع عليها من يكيده ويضمر له السوء وهذا بخلاف ما يترتب عليها من أضرار اجتماعية توقع المشاحنات، وتسقط مكانته بين الآخرين فلا يرونه أهلا للثقة ولا المشاورة.

لاحظوا في الخطط العسكرية يعتبر العمل الهادئ وحفظ خطواته سرا يعاقب مفشيه بالخيانة، وفي الجهة المالية يحرص التجار على إبقاء صفقاتهم ومشاريعهم المستقبلية طي الكتمان، وكذا كل جوانب حياتنا وعلاقاتنا ينبغي أن يكون لها صندوق أسود نحتفظ فيه بالخصوصيات التي لا يباح بها لأحد، ومن لديه قوة الصبر والتحمل في جميع جوانبها يفلح في مواجهة التحديات وتخطيها، والصبر لا يقتصر على تحمل المتاعب والآلام بل يشمل القدرة على كتم الأسرار وإبقائها بعيدا عن تداول الألسن، فليس بصواب من يبث من هنا وهناك بحجة الشخص الثقة لديه وما يلبث الأمر أن يفشى، وموضع الثقة بين الأصحاب من يبثون له بخصوصياتهم فتبقى خفية لا يطلع عليها أحد، إذ يعتبر سر الآخر أمانة عليه يلتزم بالحفاظ عليها.

وليس هناك من لا يضيق صدره بهم وأمر يحزبه ويؤرقه، فيحتاج إلى من يبث له ما يكدره ويخفف بالحديث معه معاناته، ولكن عليه أن يختار الأمين الكتوم الذي يحفظ السر ولا يدفعه الفضول أو شهوة الكلام وعشق التميز الاجتماعي نحو الثرثرة في كل مكان فيجعله ضحية يهذي بخصوصياته، ولكنه الثقة الذي استودعته سرك ويكون ثقة الأصدقاء به لقوة صبره وحفظه للأسرار، وحتى إن تطرق إليها أحد كان كمن يسمع بها لأول مرة!

من يبوح بالأسرار له محددات شخصية معينة «كاريزما»، ومنها جهله بعواقب الأمور وعدم تقدير النتائج المترتبة على خطواته، إذ يخفى عليه ما يمكن أن يؤدي إفشاء الأسرار من كوارث خطيرة وخصومات اجتماعية، كما أنه يعيش وهما يسقطه من أعين الناس وهو الثقة العاطفية العمياء بالآخرين، فيتوقع منهم الاحتفاظ بالخصوصيات ولكنه يكتشف خلاف ذلك، بخلاف ما يسببه إفشاء الأسرار من هتك للخصوصيات الشخصية والإضرار بأعراض الغير.