آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الانقلاب.. القناعة

محمد أحمد التاروتي *

تبدل القناعات الفكرية لدى بعض النخب الثقافي امر شائع، وغير مستغرب، نظرا لارتباطه بتغير الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من جانب، واعادة ترتيب الاولويات والمنهجية تجاه القضايا الثقافية من جانب اخر، الامر الذي يتمثل في التحول الكامل او الجزئي، تجاه العديد من القضايا المفصلية او الهامشية، بحيث يتجلى في إظهار مواقف متناقضة تماما عن القناعات السابقة، مما يحدث صدمة كبرى لدى العديد من القواعد الشعبية، بحيث يؤسس لمواقف مختلفة تجاه الاّراء الجديدة، فالبعض يجد في المواقف حالة ايجابية، ومراجعة ضرورية للتعاطي مع المستجدات، وبالتالي استخدام التطور الفكري كوسيلة للاستجابة مع الظواهر الاجتماعية الناشئة، فيما يتخذ البعض الاخر موقفا معارضا، نتيجة النكوص عن القناعات السابقة، خصوصا وان القناعات السالفة ساهمت في انخراط شرائح عديدة، بحيث يصعب إعادتها بشكل طبيعي للمواقف الجديدة.

انتهاج المواقف المتشنجة تجاه النخب الثقافية، نتيجة المراجعة الجديدة للقناعات تجاه الاحداث، تنطلق احيانا من مبررات واقعية بعيدا عن الاهداف الشخصية، خصوصا وان القواعد الشعبية تجد في الانعطافة المفاجئة، لتلك النخب بمثابة طعنة في الظهر، مما يستلزم التحرك الجاد للوقوف تجاه التحولات الجديدة، نظرا للتداعيات المترتبة على القاعدة الشعبية، وبالتالي فان الموقف المتشنج يهدف لممارسة بعض الضغوط على النخب الثقافية، للتراجع ومحاولة للامساك بزمام الامور مجددا، فالمفاجأة ساهمت في ترك فراغ كبير لدى القواعد الشعبية، بحيث يصعب سده بسهولة خلال فترة قصيرة.

بينما تنطلق بعض المواقف المعارضة للتحولات الفكرية، لدى بعض النخب الثقافية من أغراض شخصية، فهذه الشريحة لديها مشتركات وقناعات فكرية متقاربة، ولكنها تمارس الخداع الاجتماعي، من خلال المواقف التصعيدية بغرض تحقيق العديد من المكاسب، والعمل لسحب البساط من تحت اقدام تلك النخب الثقافي، فالتحولات الجديدة فرصة يصعب تكرارها، مما يستدعي استغلالها بالطريقة المثالية، لتعظيم الفائدة خلال فترة زمنية قصيرة، الامر الذي يتمثل في اطلاق حملات إعلامية شعواء، للتركيز على التحولات الصادمة وغير الموفقة للنخب الثقافية، نظرا للآثار السلبية على البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان هدف تلك الحملات يكمن في التسقيط، وإظهار الاعوجاج في طريقة التفكير المعاكسة للتطلعات الاجتماعية.

التحرك المتوازن والحذر عملية ضرورة لضبط ايقاعات المواقف، تجاه التحولات الجديدة تجاه القضايا الكبرى، او الصغرى في المجتمع، خصوصا وان الاستعجال في إظهار الموقف تكون اثاره سلبية، وغير حكيمة، وبالتالي فان محاولة التريث والجلوس مع النخب لاستقصاء الاسباب الكامنة، وراء تبدل القناعات السابقة، يسهم في لجم المواقف الارتجالية المجانبة للصواب، لاسيما وان جلوس مختلف الاطراف حول طاولة مستديرة يقرب وجهات النظر، ويقود الى اتخاذ مواقف ”متفهمة“، واحيانا الوصول الى قناعات مشتركة، سواء من خلال تراجع النخب الثقافية عن مواقفها، او تبدل آراء الاطراف المعارضة.

تبقى التحولات المستمرة ظاهرة صحية، وعملية ضرورية على الدوام، باعتبارها احد المحركات الاساسية للقضاء على الجمود، والتمسك بالمواقف السابقة، ورفض التعاطي مع الواقع الجديدة، وبالتالي فان التطورات تفرض اعادة ترتيب الاوراق، بما ينسجم مع المستجدات، سواء الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية، خصوصا وان العديد من المواقف باتت غير صالحة لمعالجة الازمات القائمة، مما يفرض انتهاج اليات مغايرة، انسجاما مع المتغيرات المتلاحقة، على ارض الواقع.

كاتب صحفي