آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

السلالم والثعابين - 10

يصادف اليوم، 21 اذار/مارس، اليومَ الأول من فصلِ الربيع ويومَ الأم العالمي. لأمي ولكلِّ الأمهاتِ التحية والسلام من منهم فوقَ الأرضِ ومن منهم في السماء. بُنىَّ: قبل الحديثِ عن السلالمِ والثعابين سوف أحملك في سلالمِ عاطفةِ الأم قليلاً، فاسمع مني:

هاجني الشوقٌ فَمَرَّ طيفكِ في المنام

شكوتُ إليه حاليَ دونَ الكلام

رأى طيفكِ الدهرَ أزرى بي، وقد

كنتِ الذي تقينيَ حَرَّ السهام

فعلامَ الهجر منا والخصام

إذا لم تزورني فأمري طيفكِ

أن يزورْ، فقد أمحلَ الجدبُ

مني قوايَ، وأنتِ التي كنتِ

من قبل ما تمطرُ السما من غمام

بُنَىَّ: هل تدري ما هو سر السعادة الذي يملكه كلُّ الناسِ أو جلهم، ولكنهم لا يقيمون له وزناً إلا بعد أن يفقدوه؟ إنه الصحة، التي وإن مَلكتَ كنوزَ الدنيا لم تنفعك الكنوز بدونها. لا ينفعك الغنى والمرض، وإن كنت فقيراً ربما أغنتك صحةُ العقل والجسد.

ولدتك أمكَ سالماً من كلِّ عيب، ثم أرضعتك من لبنها ما جعلكَ صبياً معافى، لكن المدنيةَ التي أخفت لك كل الأدواء في الأكلِ وغلفته بأجمل وأزهى الألوان تطاردك أينما ذهبت تريد ما تملكه من نقود، وكيف يقام الصغير أو الكبير كلَّ هذهِ الأطعمة التي تدغدغ حليماتِ تذوقه، وإن كان في عقلهِ الباطن على يقينٍ أنها تضره في اقتصاده، وفي صحته. لم تكتف المدنيةُ بزرعِ المخاطر في الأكل، بل عرضت أجسادنا للخطرِ في الشارعِ، والمنزل، والمصنع، وفي كل ما نقوم به من أعمالٍ وتنقلات.

ليس ما استجد من أنواعِ الأكل ما أفسد صحةَ الإنسان المترف، بل كم منها يأكل في اليومِ والليلة. عندما كان جدك صغيراً لم يكن هناك كهرباء تُبقي الناس مستيقظينَ طوال الليل، إذ كانوا ينامونَ بعد العشاء. أما الآن فقد غيرت المصابيحُ وأجهزةُ التبريد كل الدنيا، وأصبح الناس يسهرونَ طوال الليل يقضمون ما طالته أيديهم. كان الناس يموتونَ في السابقِ في أعمارٍ أقصر وتصيبهم الأمراضُ التي لم يكونوا يعرفونَ نوعها أو سببها، أما الآن، فالناس يعيشون أعماراً أطول واختفت كثيرٌ من الأمراضِ التي كانت تفتك بهم، ولكن جلبت المدنيةُ الحديثةُ أمراضاً مستعصيةً تلازمُ الناسَ وتفقدهم متعةَ طولِ العمر، فلربما كان الدواءُ في الجوعِ أحياناً والمرض في الشبعِ الكثير دائماً.

بُنَيَّ: صحتك هو الأداة التي تلبسها وتتجمل فيها، وتمكنك من تحقيقِ أحلامك، وأنت مسؤولٌ عن الكثيرِ من العناية بها. والصحة ليست فقط في الجسد بل في العقلِ والنفسِ أيضاً. فكما يحتاج الجسم الأكل الطيب يحتاج العقلُ المعرفةَ الجيدة وتحتاج النفس أن تكونَ في مزاجٍ متزنٍ ومستقر. لن تستطيع أن تحفظ صحتك للأبد، وسوف تلحق بكَ الشيخوخةُ أحببت أم كرهت، ولكن نصيحتى لك ألا تأكلَ أكثر مما يحتاج أن يستهلكه جسمك في حاجاته اليومية، وإلا اعتلت صحتك. وإذا أردتَ صحةَ النفس والعقل، فليكن لديك أصدقاء أصحاء. لا يلزم أن يكون الأصدقاء عباقرةً، ولكن لا يجوز أن يكونوا تافهينَ في الفكرِ والإتزانِ في السعادةِ والمرحِ والجد والنشاط. كما أنك تستطيع الهروب من الشيخوخة لمسافةٍ ما، وأن تعوض ما تفقده من صلابةِ جسمك واستقامته فلابد لك من العمل والحركة.

كان لزوماً على أبيكَ أن يشتريَ لك الأكلَ الجيد ويحميكَ من الأكلِ الرديء، فعليك أن تختارَ لأبناءك الشيءَ ذاته وتوصلهم إلى مرحلة الشبابِ وهم أصحاء البدن والنفس والعقل. وكلما نظرتَ الآنَ إلى عضلاتكَ المفتولة في المرآة، فتذكر تلكَ السلالم في أمكَ وأبيك الذينِ حمياكَ في قدرةِ الله من لدغاتِ أفاعي العللِ والأسقامْ.

مستشار أعلى هندسة بترول