آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

تحفة كاظمية

 ورد عن الإمام الكاظم : اللهم ارزقني الاستعداد عند الموت، واكتساب الخير قبل الفوت، حتى تجعل ذلك عدة لي في آخرتي، وأنسا لي في وحشتي» «بحار الأنوار ج 92 ص 449».

 أيها الإنسان لا تغفل عن الهدف الأسمى من وجودك والدور المناط بك، انطلق في ميدان الحياة من مبدأ تكريمك بعقلك لتترفع عن الموبقات والمعايب، ولا تنس أن أنفاسك ستخمد يوما وترحل من دنيا فانية إلى عالم الخلود، فماذا أعددت له وما أتيت من عمل ترجو به مغفرة ورحمة ربك في يوم الأهوال الرهيب؟

 هناك من غرته مفاتن الدنيا وزخارفها وظن أنه خالد لا يزول، فأقحمته شهواته في المهالك ففاجاته المنية بلا إنذار ولا ميعاد، والأريب لا يتجاوز الإدراك العقلي وينحيه جانبا بل يتجنب الاتجاه نحو وحل الأهواء والشهوات، فمن عرف المآل والمصير وأي محكمة يواجه في يوم الحساب استظل حينئذ بالتورع عن المحارم، فالاستقامة ومضة سلوكية يدعمها رشد فكري بالنتائج والعواقب للخوض في القبائح.

 شتان ما بين رحيل من خلفوا سيرة ملطخة بالذنوب والمعايب، وبين أناس سيرتهم عبق فواح يشتم منها تجسيد القيم والأخلاق الحسنة، فالأمر مرجعيته لتقديم العقل والفكر المتأني على كل شيء من الأهواء إن كان فطنا يخشى مواجهة العذاب الأليم.

 2 - اكتساب الخير: ومن علامات الاستعداد ليوم المعاد هو العمل المثابر وليس الأماني، فلا جدوى من أمنيات فارغة تستقر في الوجدان أملا بالفلاح وتجنب مواطن الزلل دون أن يدعمها بعمل صالح على أرض الواقع، ولذا تكتسي النفس بجمالية العطاء حينما تهب في ميدان اكتساب الفضائل لتحصيل الخيرات، فما على المرء سوى تحكيم عقله في اتباع مسلك الخير وتجنب الشرور والعدوان، فمن تحرك بهمة عالية لتحقيق مفهوم العبودية والطاعة والخشية من الله تعالى دونما تسويف فقد حاز الفلاح، فميدان العمل هو بعدد أنفاس الإنسان وهو له فسحة كبيرة للعمل وتعويض ما فاته، وأما بعد الرحيل فقد رفعت الأقلام وطويت صحائف الأعمال ولا معنى حينها للندم والشعور بالخيبة والخسران.

ومن الخيرات التي يكتسبها المؤمن صفاء قلبه من كل الإحن وحمل المشاعر السلبية تجاه من حدث معه سوء فهم أو خلاف، فالقلوب السليمة خير ما يقدم به المؤمن ويستشفع بتسامحه لينال المغفرة الإلهية.

 3 - العدة الأخروية: تذكير المرء بسنة إلهية جرت على العباد وهي حلول المنية بغير سابق إنذار يؤقت لها، هو تنبيه له من رقدة الغفلة وضياع بوصلة العمل في زحمة الانشغال بالدنيا والعلاقات المختلفة، أفلا يعتبر تضييع الأوقات الثمينة وتفويت فرصة استثمارها بإعمارها بعمل صالح ينفعه في يوم معاده، أكثر سفها وضعفا في التفكير وقد لحقته الندامة والحسرة يوم يقف بين يدي الحساب، فلا يملك إلا تمنيا مستحيلا بطلب الرجوع إلى الدنيا مرة أخرى، عاطيا المواثيق بترك السيئات ومبديا العزم على الانطلاق في ميدان الطاعة بكل قوة واقتدار لا يعتريه الملل والتسويف، ولكن هيهات!!!

 شتان ما بين من ارتمى في أحضان معشوقته الدنيا وقدمها على كل شيء في فكره ووجدانه، وأصبح حطامها الزائل محركا لكل خطوة أو عمل يقدم عليه، فنسي معاده ومفارقته لهذه المأنوسات المحببة لنفسه فكان يوم فراقها صعبا لا يطاق ولا يتحمل وقعه!!

 وأما من عاش هذه الحقيقة - مفارقة الدنيا وحلول المنية - في وجدانه وخالدة في ذهنه، فكان أفول شمس يومه مؤذنا له بختام يتعامل على أساسه أن يكون آخر لحظات عمره، فأقفل حساب حقوق الناس وجدد علاقته بربه مزينا لها بالتوبة والانكسار، فما كانت لحظة حلول المنية إلا كشربة ماء كما ورد في الأخبار، فلا تصيبه الغربة والوحشة وقد أحاط به عمله الصالح ينور قبره ويدفع عنه المخاوف من البيت الجديد الذي حل فيه، فقد اجتهد وعمل وافترش قبره بزاد يرجو من ربه القبول، وكله ثقة برحمة ربه وشفاعة الأطهار أن تشمله ألطاف الرحمن.

 4 - الأنس من الوحشة: الجانب الاجتماعي في شخصية الإنسان يدعوه إلى الانضمام للنسيج الاجتماعي وتكوين علاقات مستقرة تعود عليه بالمقبولية والأمان والثقة المتبادلة، وما إن يفارق أحبته لمدة قصيرة حتى يستشعر الوحدة، وإن سافر عنهم لدراسة أو عمل كانت الغربة عنهم عامل ضغط عليه، وأما فقد عزيز وقع خبر رحيله كالصاعقة عليه فتلقي عليه الأحزان والهموم، فهل استعد ليوم سيكون هو من يرحل فيه عن دنياهم ويقبر وحيدا في دار الغربة الحقيقية، لا يرى من حوله من يؤنس وحشته ويضفي عليه السرور ويبدد عنه أعباء عزلته تحت التراب، لا مؤنس إلا عمله الصالح ينير قبره ويبشره بمقدم الخير والرحمة على رب كريم، والأنوار المتلألئة للأولياء الأصفياء والملائكة تبشره وترفع عنه الفزع من عالم جديد استعد له وها هو يعاينه.