آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

عندما تخرج «أرامكو» لتتسوق «2»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

ما خبرة ”أرامكو“ في الكيماويات؟ سؤال يطرح بإلحاح، قبل تناوله أعرج على أنه بالأمس تمعن العالم لأول مرة عن كثب في النتائج المالية لشركة أرامكو السعودية، ليفطن كثيرون أنها ليست شركة مما نعرف، وأن تفردها ليس لسبب واحد، بل لأكثر من سبب، كل منها كاف لوضع ”أرامكو“ في فئة بمفردها، أداء وربحية. هي ضمن فئة متفردة من الشركات، توجد آحادا وليس في مجموعات. لا أقول هذا من باب المباهاة، بل للتوطئة بأن ”أرامكو“ بحكم المقدرات والامتياز والحجم والأداء التشغيلي والمالي هي استثناء، ومن هذا المنطلق وصفتها قبل سنوات بأنها ”حوت أزرق“. هذا الحوت، لاعتبارات عدة، لم يعتد أن يبحر في سرية، بل منفردا، ولا يفعل ذلك تيها، بل لأغراض وظيفية صرفة. ولذا، فالنهج الاستراتيجي للشركة كان دائما ”المحيط الأزرق“، وليس أدل على ذلك من أنها خارج نطاق ما يمكن اعتباره نسقا لمنافسيها، وهذا ما أظهرته البيانات المالية التي نشرت بالأمس.

أعود إلى السؤال، بالقول إن خبرة ”أرامكو“ في الكيماويات تتجاوز عقدين من الزمن. وعليه، فما نشهده من امتلاك ”أرامكو“ حصة 70 في المائة من ”سابك“ ليس خطوة يتيمة، بل سبقتها خطوات وستتبعها أخرى. والدافع ليس ”ماليا“ أحادي البعد؛ فالأقرب أن استراتيجية ”أرامكو“ تتحرك ضمن أبعاد متعددة، فإضافة إلى تعظيم القيمة المضافة للخام، لا يمكن إهمال التوجه العالمي، ولذا تجد أن لـ ”أرامكو“ وجودا في جميع القارات، وإن كان هذا قد تركز ابتداء في منظومة لتسويق النفط الخام، إلا أنه تطور بالتدريج متجها ليصبح نمطا استثماريا متكاملا يشمل: تسويق النفط، وتكرير المشتقات، وإنتاج البتروكيماويات. وهناك من يريد ”تقزيم“ ما حققته ”أرامكو“ بوصفه أنه لا يعدو بيعا للخام، و”تسطيح“ مبادراتها كوصف صفقة الاستحواذ على ”سابك“ أنه تصرف مالي بحت، في حين أن ”أرامكو“ كانت طوال الوقت، ومنذ تأسيسها، شركة ناهضة ومبادرة، تدرك أهميتها للاقتصاد المحلي، وأن عليها المساهمة في نموه واستقراره. ولا يتحقق الاستقرار فقط من خلال استخراج وبيع النفط، بل بصياغة وتنفيذ استراتيجية تسويقية تحقق ذلك، ومن ناحية ثانية، وهذا محل القفزة النوعية في استراتيجية ”أرامكو“، أن الاستقرار وتعزيز النمو ليسا هدفين متعارضين، بل يتحققان من خلال توسيع الرقعة الجغرافية وتنويع الأنشطة. وهذا ما نشهد بواكيره الآن. فهناك من فهم أن ما تسعى ”الرؤية 2030“ إلى تحقيقه من التحول من الريع إلى الإنتاج، أنه تخل عن النفط! بل النقيض من خلال تعظيم العائد وتجنب - قدر المستطاع - بيعه خاما. وبعد احتضان دام 20 عاما، بدأ اهتمام ”أرامكو“ بالبتروكيماويات يلفت الأنظار، ويضفي لمعة وبريقا على زرقة الحوت، وزرقة محيطه!

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى