آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

غداً يأتي الغد

غداً يأتي الغد أو ”بُكْرَة يجي بُكْرَة“، كلماتٌ ثلاث يقولها الطفل وهو ينتظر أن يكبر وتلاقيه روائعُ الدنيا، وهي الكلمات التي يحيلها الطفلُ أفعالاً ويصبح بعدها شاباً تصغر في عينه عظائمُ الأمور، ويقولها المؤمنُ بأن له موعداً مع الله يَجلُو فيه صدأَ روحه ويعيدها أصفى من البِلَّوْر ويقولها ”الإنسان“ العاشق فيلقى الغرام، والمريض وتأتيه الصحة، والخسران يلاقيه الربح، والزارع فتمتلئ الأهراءُ والمخازن بأنواعِ الحصاد، كلماتٌ تحيل كل صفاتِ السلبِ إلى موجبات الأضداد.

ليس في الأممِ أمةٌ تحب الحياةَ الشريفة والنظيفة مثل أمتنا فهي لها أربعة أعيادٍ في كل شهرٍ ومرتينِ في السنة، وكأننا على موعدٍ غرامٍ لا ينتهي مع الأعياد. هي هكذا الحياة يجب أن تكون، نحن في هَمِّ اليومِ وعيننا ناصبة إلى فرحِ الغد وبهجته.  سوف تصفو الأيام وعندما تصفو صادقها ومتع نفسكَ فيها وكأنها لن تعود إلى الصفاءِ مرةً أخرى. أنا وأنت مثلنا مثل ذاك الذي يسير في طريقٍ طويلٍ يحتاج محطاتٍ كثيرة للراحة من وعثاءِ السفر، وكلما وصل محطةً جميلةً نزل فيها قدر ما تسمح له الرحلةُ بالنزول. نحن كما ينصحنا عمر الخيام:

أيها القلبُ قد غمَّك الدهر

وسيفارقْ روحكَ الطيبة جسدكَ على غرَّة

فاجلس على العشبِ الأخضر وعش رغداً بضعةَ أيام

قبل أن ينبتَ العشبُ من ترابك

نعمل ونَجهد ونَضنى وفي ضنكِ الزحام ننسى الراحةَ والاستجمام. لا تجب أن تكون الدنيا كلها شقاءً فمن الساعاتِ الثلاث لنا واحدةً نستريح فيها ونملأ مكامننَا بالنشاطِ والطاقة، فخذ نَفَسًا ومد يدكَ إلى كتفك ورَبَّتَ عليها وقل لنفسك احسنتَ الأداء إن لم يفعله غيرك. احتفل مثل طفلك الذي لم ير ما يحزنه بعد في هذا العالم واجعل من نفسك أفضلَ صديقٍ يشاركك المسرات ويصدقك المر?ة، وإذا شابت الأيامُ تصابى لها أنت.

حَمَّلت المدنيةُ أجسادنا الضعيفةَ وأنفسنا اثقالاً أنهكتها وجعلتها تشيب قبل أوانها، ففي كل زاويةٍ مشفى يرتاد ردهاته كلُّ الأعمارِ من البشر. سوآل يضج في عقلي: هل ضعفت خلايا أجسادنا عن البقاء الطويل في تكوينها أم اعتراها الضعف من خارجها فصرنا لا نعيش مثلما عاش النبي نوح أو غيره ممن قرأنا أعمارهم في الكتب؟ أكاد أجزم أن الإنسانَ هو الإنسان والخلية هي ذاتها، ولكن ما نفعله نحنُ وغيرنا بذواتنا يأخذ الكثيرَ من أعمارنا.

ينفعنا أن نضربَ مواعيد للبقاء والسعادة، فهذا شهر شعبان وبعده شهر رمضان، أنا وأنت نكون على موعدٍ مع الحياة. أنا أكتب لك فيه شيئاً من ذاتي وأنت تقرأه فقط لأنك على موعدٍ مع الحياةِ للغد، حتى لو لم تكن على موعدٍ معي. ومهما يكون لا تقل لي واهمٌ من يحب الحياةَ التي هي مفتاحُ البقاء، وقل لي واهمٌ من يحب الموتَ الذي هو مفتاح العدم!

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
7 / 4 / 2019م - 6:12 م
في الغد المتفائل تطيب الحياة ، وإن منحتنا المدنية الكثير من العلم وسلبتنا الكثير من الوقت ..
مقال رائع يحمل في مفرداته الواقع والأمل ..
طابت لكم الكتابة وطابت لنا القراءة ..
مستشار أعلى هندسة بترول