آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

أيها الإباء.. إن الحسين (ع) قد أقبل

إنه ميلاد يعلن عن معاني عظيمة يكتنفها ذاك التجسيد للكمال والفضيلة، إنه ميلاد حسين الإباء والكرامة والشجاعة والتمسك التام بالقيم، تنفتح في هذا اليوم نفوسنا التواقة إلى السير على خطاه على شيء من إشراقات قامته العالية، فمع كل إطلالة متجددة لمولده الشريف نستذكر تلك العطايا والعبر التي نستقيها من مواقفه ، والتي تشكل مفردات وتوجيهات تنير لنا الطريق في مواجهة التحديات والصعاب على مختلف الأصعدة، ففي وسط هذه الأمواج العاتية من الشبهات الفكرية التي تعصف بالأذهان البسيطة والظواهر السلوكية التي تغري الشباب الذين لما يتلقوا التحصين والتثقيف، نحتاج إلى ما يعيدنا إلى الرشد ونزاهة النفس من دنس الرذائل، ولن نجد زادا ثقافيا ومرسى معرفيا كسيرة الشرف والتضحية والفناء التي اكتسح بها المد الحسيني النفوس العاشقة للحرية والكرامة والتقدم.

فمن مظاهر الفرح والسرور تعليق الزينة وانطلاق الحناجر الولائية الصادحة بمدحهم وتعداد مآثرهم، وهو أمر حسن ولكننا أحوج لتزيين عقولنا بفكره وعطائه المعرفي، وذلك من خلال الوقوف على كلماته النيرة متأملين ومتدبرين ما فيها من مضامين عالية نتجمل بها، ونزين نفوسنا بعقد الولاء والمودة والمعرفة الممكنة لجاههم وعطائهم الفكري والسلوكي المتألق، فقناديل الصبر والإيثار والتضحية والتعامل الخلقي الرفيع المتلألئة تشع في سماء العلياء الحسيني، فلنخاطب الدنيا المتلونة التي تكافيء الناس بالصدمات والأزمات، أقبلي بما عندك من بلاء ومحن ستتكسر على جنبات صمودنا وصبرنا الذي استقيناه من مواقف أبي الأحرار ، فهذه الصلابة والثبات في المواقف هي وصفة روحية حسينية نستخلصها من المواقف الصعبة جدا التي واجهها، فلم تجد منه إلا الهدوء النفسي والحكمة والتمسك بالقيم وعدم الحياد عنها، إنها الإرادة القوية التي نتعلمها ونتربى عليها من المنابر الحسينية المعطاءة.

وروح التكاتف والتعاون وتجلي روح الإيثار والعمل على رفع الحاجة والعوز عن المحتاجين والمسارعة إلى قضاء حوائج الناس، هذه الومضات الإنسانية والحضارية التي تجلب السعادة والأمان وتبث الثقة والمحبة للآخرين نستقيها من ذاك التألق الحسيني الذي يتفقد حوائج الناس ويسعى إلى بلسمة جراحهم وآلامهم، ففي الكثير من المواقف نجد السبط الحسين موئل القاصدين لعطائه فيستقبلهم بحنانه قبل عطائه المادي، فيرفع عنهم بؤس الأيام ومعاناتها.

وأما المسئولية المجتمعية وحب الخيرية والصلاح مرفرة رايته، فاجلى مصاديقها والسعي فيها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدها في المواقف الحسينية الرافضة لكل مظاهر الظلم والفساد والاستبداد، إنه خلق الهمم العالية الآبية لأي شكل من أشكال العدوان والاستباحة لحقوق الناس، إذ النهج الحسيني ينظر لإرادة المؤمن وروحيته الإيمانية والتي تحرك فيه المشاعر الصادقة الرافضة لكافة أشكال الاستهتار بالقيم، ولا يخفى أنها دعوة متكاملة للإعداد المعرفي والالتزام السلوكي، الذي ينطلق من خلاله المؤمن نحو مهمة الأنبياء والأئمة الأطهار في ساحة العمل التبليغي وممارسة الدور التوجيهي لكل أبواب الخير والنهي عن مظاهر الانحلال الأخلاقي.

المسحة الإيمانية كما نستقيها من خطى الإمام الحسين ليست بمعارف مشلولة ومنفصلة عن الواقع والانزواء عنه، بل هي عمل مثابر وتجسيد للمعاني الإنسانية الراقية؛ لتشكل تلك المنارات إشراقات تهفو لها النفوس وتنجذب إليها، لما ترى فيها من جمال القيم والفضائل في شخصيات ذات مصداقية.

وحق للإنسانية ان ترسم آيات الفرح بمن مولده الشريف ارتبطت به الصفات الشريفة والخصال الفاضلة التي تمثل قبلة عشاق السالكين إلى التكامل النفسي، فلتتألق الكلمات بذكر الإمام الحسين ومآثره في نهج يدعو إلى تحقيق كل المعاني السامية.