آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

نارٌ بين جوانحي

نكمل عقوداً من العمرِ أو العمرَ كله نحملُ جمراً بين جوانحنا، نظن أننا نرميه في وجوهِ من نكره ولكن الجمرَ الذي بين جوانحنا يحرق قلوبنا وأكبادنا دون أن ندرك. إنه جمر الغضب الذي ترسله لنا عواصفُ الدنيا وترميه في وجوهنا وفي غمرةِ الجهالةِ والطيش نود أن نقذفَ به غيرنا، نحسب أننا نستطيع تغييرَ العالمِ والأفلاك والناس كما نشاء وعندما يستعصي علينا التغييرُ تصيبنا الخيبةُ ويسكننا الغضب! أنا غضبتُ على الدنيا كلها عندما طردتني الدنيا من بطنِ أمي فبكيت. وغضبتُ على أمي وأبي إذ لم أحصل على كلما طلبت، وغضبت على أستاذي وأخوتي وأصدقائي والمدير في العمل، غضبٌ على كل شيء وكل شخص!

لكن وأنا الآن أنظرُ للخلفِ من الثقوبِ والفُرَج بين قضبان سجونِ الستينَ عاماً، لم أدرك أن الحوادثَ التي أغضبتني والأشخاص الذين أغضبونيْ كثيرٌ من الأحيان هو المحركَ لي ومصدر الفرح. فقط لأنني كنتُ أراها بعينِ الطفل ثم الشاب الذي لا يستطيع الإنتظارَ حتى يأتي الغد.

في واقعِ الحياةِ نحن لن نستطيع تغيير اتجاه هبوب الريح أو مطلع الشمس، وبدلاً من أن يتملكنا الغضب إذا لم نستطع التأثيرَ في الدائرة الكبيرةِ البعيدة عنا، فمن الأجدى لو أننا صببنا جهداً أكبرَ للتأثير في الدائرةِ القريبة منا والتي تبدأ بنا. لو رآنا الناسُ في صفاتِ الكمالِ والجمالِ ففي أغلبِ الظن أن جمالنا سوفَ يغمرهم قبل أن يغضبوا.

في كثيرٍ من الأحيان نحمل جمرَ الغضا في حشاشتنَا لأننا نعتقد أننا نحن الأصفى والأنقى ونحن من يحمل المثل، إن كان هذا فلا بأس أن نضم أيدينا ونطبقها على الجمرِ دون أن نفركها وتشتعلَ في أيدينا. ليس الكَيِّس في الحياة من قرأ كتاباً أو كتابين، ولكن الكَيِّس من استطاعَ أن يتعايشَ مع شخصينِ كل يومٍ في الشارعِ دون أن تبرمه وتضجرهُ تصرفاتهم وتدفعه نحو الغضب. تعيننا قوانين الفيزياءِ الطبيعية التي تقول أنه بإمكاننا تحويل الطاقةِ من نوعٍ إلى آخر لكي نُسَخِّرَ طاقةَ الغضبِ لتفجِّرَ فينا ينابيعَ الثقة بالذاتِ وكظمِ الغيظ. تمر عواصفُ الغضب مثل الرياح العاتية، ولكن لو انتظرنا قليلاً فهي تهدأ وتموت!

نستطيع أن نرد الصاعَ صاعين أو ثلاثة لمن هو أضعف منا، لكننا نجد أنفسنا ضعفاءَ مثل حبةِ القمح في طاحونة عندما نعجز عن تدوير النفاياتِ العاطفية والعقلية التي تملأ الكون من فوقنا ومن أسفلَ منا، لا نستطيع دفعها وليس لنا سوى الثقة بأنه ”ما خابَ من قال يا رب“. ما يجعلنا مختلفين عن المخلوقاتِ الأخرى أننا نستطيع أن نعقلَ مشاعرنا بشيءِ من عقولنا، تلك القدرة هي التي تجعل في استطاعتنا أن نطفئ الحريقَ بيننا قبل أن يكبرَ وينمو. ربما فقط لو نظرنا لحظاتٍ في وجوهِ الناس وأيقنَا أنهم بشرٌ مثلنا تضنيهمْ الدنيا كما تضنينا.

مستشار أعلى هندسة بترول