آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

العباس (ع) اختزال للفضيلة

البحث التاريخي المتعلق بشخصية قمر بني هاشم وعموم الشخصيات العظيمة ليس بتقليب للأوراق أو استذكار معرفي مترف لا فائدة ترجى منه، ومن المعلوم أننا نحتاج إلى ما يؤسس للخبرة بواقعنا والأخذ بالأيدي نحو مستقبل باهر، لا العودة إلى الماضي والتفتيش بين جنباته عن مواقف وأحداث.

الحديث عن هذه السيرة المعطاءة لشخصية تجلت فيها كل آيات الكمال والفضيلة على نحو لا نظير له هو انفتاح معرفي وسلوكي نطلب تطبيقه من قدوة حسنة، فأنى لنا بتطبيق لكل تلك المفاهيم والقيم الأخلاقية الرفيعة التي ترنو لها عيون أصحاب الهمم العالية، فالعلم وشدة الورع والانقطاع إلى الله تعالى والتواضع والبسالة والتضحية والمواساة والشجاعة والبصيرة الفكرية والعاطفة الوجدانية الجياشة تجاه الضعفاء، كلها ضمنت ومزجت في نفس واحدة هي نفس العباس الأبية، فكان سبيلا كأخويه الحسنيين للتذكير بسلالة العظمة لأبيهم أمير المؤمنين .

المعرفة بشخصية العباس هي سبر أغوار مواقف عظيمة نحتاج إلى تفكيكها وتجزئتها والتمعن والتدبر فيها، ومن ثم تحويلها إلى منهج تكاملي تتعدد مفرداته وقيمه بحسب ما نبصره، وكل قراءة ثقافية جديدة تنبري لها العقول النيرة والأقلام الجيدة ستجلي لنا شيئا جديدا وشعاعا مضيئا من روائع صفات جليلة، ويكفي وصفا له شهادة الأئمة المعصومين بحقه بما يكشف عن مقام عال ونفس اشتقت في تكوينها من خصال الفضيلة كلها.

يصفه الإمام الصادق بعماد الشخصية التقوائية الرسالية، وهما: الفكر الرشيد الناضج والصلابة الإيمانية وقوة الثبات في ساحة المواجهة مع التحديات الصعبة، وهذا ما نعمل على عكسه على واقعنا ومستقبلنا المشرق إن تحلينا بالفكر والإرادة الصلبة، فهما جناحا السعي المثابر الناجح في الحياة، ومع غياب أحدهما يصبح السقوط في دروب التيه والحيرة أمرا حتميا، فأهل الجهل والغفلة تنساب وتتسرب إلى نفوسهم الريبة والشك من أثر الشبهات والأفكار الخداعة والشعارات الرنانة التي يطرحها أهل الضلال والفتن، فما إن تنقضي هالة فكرة ضالة كقضايا دعاوي السفارة الكاذبة وظاهرة الإلحاد أو تبرير الفسق والفجور أو التلاعب بالأحكام الشرعية حتى تظهر دعوى أخرى، ولا يوقف زحفها إلا أهل البصيرة النافذة والذين يمتلكون رجاحة عقل تكشف الزيف والتدليس، بما يمتلكونه من أدوات معرفية ومنطقية وعقائدية تقدم الحقائق الناصعة في قالب حوارات شيقة جذابة، فالتطبيل وتضخيم وتلميع أي فقاعة إعلامية لا يغير من واقعها الزائف المتبدد.

وأما الخصلة الأخرى وهي الصلابة وشدة التمسك بالقيم الأخلاقية في امتحانات الدنيا الصعبة، فالإغراء والتزيين بمقارفة الخطيئة وتناول المحرمات لها دواعيها ونداءاتها المتكررة من أبالسة الإنس، وقوة الإيمان لا تحكمها الدعاوي والكلمات بل هي تجسيد للقيم في اللحظات الصعبة لمماسة جدارية المغريات المؤدية للانزلاق في وحل الشهوات المتفلتة، والضبط النفسي والحصانة والمناعة الروحية المترفعة بصاحبها عن تشويه روحيته الإيمانية لها عواملها، ومنها المداومة على ذكر الله تعالى واستصباح العقل بإرشادات القرآن الكريم والكلمات النيرة لأهل بيت العصمة ، والمداومة على مجالس إيقاظ الروح عند العلماء الربانيين يرفع منسوب الزاد التقوائي.