آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الخصوصية.. الاقتحام

محمد أحمد التاروتي *

اقتحام الخصوصية مرض شائع، تشترك فيه الشركات الإعلانية، والمؤسسات التجارية، فضلا عن الاشخاص في مناسبات كثيرة، حيث تتعدد وسائل التدخل في الخصوصية، تبعا للطرف الممارس لهذا السلوك غير الاخلاقي، وبالتالي فان الوقوف على شكل من اشكال اقتحام الخصوصية من الصعوبة بمكان، نظرا للابتكار المستمر باساليب في التدخل في الخصوصية.

يحاول البعض تبرير التدخل بالخصوصية، باختراع عدة مسميات، بغرض التهرب من السلوك المشين، لمثل هذه الممارسة المرفوضة، فتارة تكون من خلال نشر المعلومة المفيدة، والمساهمة في نشر الوعي، باعتبارها جزء من المسؤولية الاجتماعية، وتارة اخرى من خلال المشاركة في بعض البرامج الثقافية، وثالثة بواسطة الدعوة للمساهمة في نشر المبادرات الايجابية، وبالتالي فان اختيار الاسماء ليست مهمة صعبة على الاطلاق، لدى ممارسي التدخل في الخصوصية.

اقتحام الخصوصية يكون سلوكا فرديا احيانا، واخرى ممارسة جمعية، فهناك بعض الاعمال تبدأ بشكل فردي، سرعان ما تصبح ثقافة شائعة، مما يحول التدخل من ظاهرة احادية الى سلوك جماعي، الامر الذي يقود الى تبديل القناعات الثقافية لدى الغالبية العظمى، مما يضفي حالة من الشرعية على بعض السلوكيات غير الصحية، وبالتالي فان الاعمال المستهجنة في بعض المجتمعات، تلقى قبولا لدى بعض البيئات الاجتماعية، نظرا لتحولها الى جزء من الممارسات اليومية، مما يستدعي اعادة ترتيب السلوكيات، لتصحيح مسارها، وفقا للقيم الاخلاقية الفاضلة.

انعدام القيم الاخلاقية، يمثل المحرك الاساس وراء الانغماس، في سياسة اقتحام الخصوصية، فالمرء الذي يتحلى بقدر وافر من الاخلاق، يرفض التدخل في شؤون الاخرين، انطلاقا من مبدأ ”المعاملة بالمثل“، ”احب لأخيك ما تحبه لنفسك“، وبالتالي فان الانسان الذي يرفض التدخل في خصوصيته، يتجنب ممارسة هذا السلوك غير الاخلاقي، بمعنى اخر، فان الاخلاق تشكل حائلا امام اقتحام خصوصية الاخرين، باعتبارها من السلوكيات غير المحترمة، والمفروضة دينيا واخلاقيا وقانونيا.

الموقف السلبي تجاه التدخل في الخصوصية، يشجع على الاستمرار في هذه السلوكيات الخاطئة، فالمجتمع الذي يقف موقف المتفرج، تجاه عمليات اقتحام الخصوصية، يساهم في انتشار هذه الظاهرة غير الصحية، نظرا لوجود ثقافة غير مسؤولة في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يدفع لتنامي هذه السلوكيات في العديد من الشرائح الاجتماعية، بحيث لا تبقى محصورة على شريحة محددة، بينما يلعب المجتمع الرافض لسلوك التدخل في الخصوصية دورا اساسيا، في تطويق هذه الظاهرة، نتيجة وجود الثقافة المسؤولية تجاه مثل هذه الممارسات غير الاخلاقية.

الخصوصية حصن الانسان، ينبغي عدم اقتحامه باي شكل من الأشكال، نظرا للاثار السلبية الناجمة عن استباحة الحياة الشخصية للفرد، خصوصا وان المرء يفضّل الاحتفاظ بخصوصيته الشخصية، بعيدا عن الاخرين، باعتبارها من الخطوط الحمراء لا يجوز التعدي عليها، مهما كانت الاسباب والمبررات، التي يسوقها البعض لتبرير اقتحام خصوصية الطرف المقابل.

كاتب صحفي