آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

توثيق التراث غير المادي لشهر رمضان

أمين محمد الصفار *

تكتنز المملكة بالإضافة إلى التراث العمراني المتنوع ثروة هائل من التراث غير المادي والذي لا يقل قيمة عن التراث العمراني أو التراث المادي عموماً. 
ويمتاز بعض التراث غير المادي عن التراث المادي في منطقتنا بارتباطه بمواسم معينة أحياناً، وأحيانا أخرى بمواقع وأوقات محددة ايضاً. وأود هنا أن اتناول التراث غير المادي المختص بشهر رمضان في منطقتنا، فهذه الثروة العظيمة التي مازلنا نمارس بعضًا منها ونتذّكر أو نتحّسر على البعض الآخر هي بحاجة لتكريس وتوثيق يعزز من حفظها وديمومتها وتحقيق أقصى استفادة ممكنها منها.

أن التوثيق لهذا التراث غير المادي لا يقتصر على التدوين الكتابي فقط، بل هو يحتاج أن يكون التوثيق بمختلف الألوان والأشكال والتقنيات، فالكتابة بكل أنواعها الأدبية والمعرفية و الصوت والصورة باشكالها المختلفة كلها أدوات توثيق نحتاج لتسخيرها لخدمة تراثنا غير المادي. ونحمد الله أن لدينا الآن الجمعية السعودية للمحافظة على التراث والذي يرأس مجلس إدارتها وزير الثقافة هي الجهة المعنية بتسجيل جميع أنواع التراث غير المادي على مستوى المملكة. 
هذا النوع من التراث يحتاج أن يبقى ويكون شاشة معرفية حية تكشف تاريخ وحضارة البلد وأهلها وملهمًا لهم. فبلادنا زاخرة بالتراث غير المادي، واستطيع أن أقول أن لدينا تراث مادي مرتبط بكل حرفة وبكل شهر من شهور السنة الهجرية. فيوم القرش مثلا الذي يصادف اليوم الأخير من شهر شعبان، وهو اليوم الذي تختتم فيه دور تعليم القرآن التقليدية للأطفال فيه جميع أنشطة تعليم القرآن تمهيدًا لشهر رمضان، وفيه يدفع الطالب مبلغ زهيد من المال للمعلم/ة الذي يتولى تعليمه. 
أما شهر رمضان نفسه ففيه مصفوفة متنوعة من الأنشطة والفعاليات التي هي من التراث غير المادي، ونظرا لأن شهر رمضان هو شهر له خصوصيته الدينية فأن معظم الأنشطة التي تمارس فيه لها ارتباط بالشهر المبارك نفسه وبروحانيته الدينية، ففريضة الصيام هي التاج الذي يميز هذا الشهر المبارك وبالتالي لا غرابة أن تكون معظم الممارسات مرتبطة بالصيام الذي يبدأ بالسحور وينتهي بالافطار، والسحور يتطلب تنبيه الناس من نومهم كي يقوموا للسحور عبر الشخص الذي يسمى بالمسحر الذي يمر بين الأزقة والاحياء لإيقاظ الناس. 
واستطيع أن اسرد كأمثلة بعض هذه الأنشطة التراثية المرتبطة بشهر رمضان مثل: القراءة الحسينية، ومجالس تلاوة القرآن، ودعوات الإفطار الجماعي، والالعاب الخاصة بالشهر المبارك، والناصقة -منتصف شهر رمضان-، وإحياء ذكرى شهادة الإمام علي، وإحياء ليالي القدر، ووداع شهر رمضان المبارك وغيرها كلها تبرز حجم هذا التراث غير المادي الزاخر الذي نتحدث عنه، ومن نافلة القول أن نذكر أن كل نشاط من هذه الأنشطة يسبقه استعداد خاص ويصحبه أيضا تراث آخر يمثل في حد ذاته تراثًا آخر مصاحب للنشاط الرئيس. 

أنني اتمنى أن أرى بداية حقيقية وجادة لتوثيق يحفظ هذا التراث غير المادي لشهر رمضان في منطقتنا الذي يدلل على غنى إنسان هذه المنطقة ويكون هدية ثمينة الأنسان وللأجيال القادمة.