آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

شهر العافية: 20 - الإمام علي «ب»

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم - الم «1» ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ «2» الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ «3» وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ «4» أولئك عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «5»... - صدق الله العظيم - البقرة.

الحب أنواع؛ فمنه مرض، ومنه عرض، ومنه ممقوت، ومنه واجب، ومنه فريضة. يتناول براد ستَلبِرگ وستيڨ ماگنِس في كتابيهما أساس الحب، وهي العاطفة التي اشتقاها من كلمة پاشِن «passion». الحياة بدون حب لا قيمة لها. ولكن الحب لعبة خطيرة إذا أسيئ استخدامه، لأنه يُعمي المحب في أحيان كثيرة. الكاتبان يعترفان أن الموضوع معقد وأخذا يناقشان الپاشِن من منطلقات علمية؛ ليس للتخلص منه، ولكن لتقنينه والاستفادة منه، وذلك لأن الحب الخطأ قد يؤدي إلى إحباط واكتئاب. واقعا، كلمة پاشِن تحمل الكثير من المعاني، ومنها الحب، الشغف، الرغبة، الهوى، الولع، العشق، الشهوة، الهيام، الغرام، وغير ذلك من الكلمات المرادفة.

الپاشِن كلمة مشتقة من الجذر اللاتيني پاسِيو «passio» والتي تعني الكَبَد «الألم، المعاناة»، وكانت متعلقة بشخص واحد فقط؛ عيسى بن مريم . مع الزمن وفي القرون الوسطى، تغير معنى الكلمة فشملت معاناة الآخرين أيضا. بعد عصر النهضة، بدأت المعايير تتغير وتتجه نحو معانٍ إيجابية حيث ابتدأت مع الشاعر جِفْرِي چُاسر «Geoffrey Chaucer» لتعني تدفق المشاعر بصورة عامة، وهذا يلاحظ أيضا في الأشعار العربية، حتى القديمة منها حيث يخلط المعاناة مع الحب «آه من قيدك أدمى معصمي». ويبدو أن شكسبير أول من استخدمها لتعني الشغف والوله لشخص آخر.

من ناحية فسيولوجية، الآلية الحيوية نفسها تحمل معها الإيجابيات والسلبيات لأنه يُعزى إلى مُرَكَّبِ الدوپامين «dopamine» الذي يحفزنا على العمل. عندما ينطلق هذا المركب في الدماغ، نندفع نحو الأهداف برغبة الحصول على المكافأة. الدوپامين يحمل المحبين على تحقيق أهدافهم ولكنه في نفس الوقت يحفز مدمني المخدرات لالتماس رغباتهم في الوصول إلى النشوة. هناك شعرة دقيقة جدا بين المحبين والمدمنين حيث يجرف المحب نحو شغف أكبر والمتعاطي نحو إدمان أكثر. ومن أكبر مشاكل الدوپامين هو كلما زاد الشغف زاد الاحتياج إليه، كما أن الجسم يتعود عليه، فيحاول الإنسان قدر المستطاع أن يفعل كل شيء لأجل الوصول لضخ أكبر من كميات الدوپامين حتى يقف عاجزا في منتصف الطريق لا يعرف ماذا يفعل، والبعض منهم يجن كما يحدث للمدمنين أو الوصول لدرجة الهيام، وهي مرحلة مجنونة من الحب.

الله سبحانه لا يأمر إلا بالحب النافع النابع من العقل وليس من العاطفة. الله أمر بود قرابة رسول الله ﷺ كفرض قرآني لا ينكره أي مسلم. الود هو الحب مع العقلانية والاتباع. الرسول ﷺ فرّق بين المؤمن والمنافق بحبه أو بغضه لعلي بن أبي طالب . الرسول ﷺ أكثر شخص أحب عليا . وعلي أكثر من أحب الرسول ﷺ. لم يكن حبهما عاطفيا؛ كان عبادة وعقلانية. ولو كان عاطفيا لزج محمد ﷺ باسم علي في القرآن. وهذا واقعا يطمننا نحو القرآن الكريم حيث أن النبي ﷺ لم يحابي أحدٍ من قرابته فيه، بل بالعكس، في أحيان كثيرة، القرآن يحاسب الرسول ﷺ علانية، ولا يوجد من يحاسب نفسه إذا كان الأمر بيده. للرسول ﷺ أقارب كثر؛ أعمام وعمات وأبناء عمومة، ولكنه اختار عليا من بينهم؛ هل هذا اختياره ﷺ أم اختيار رب العباد؟ لو كان اختيار الرسول ﷺ أو محاباة منه لما تردد القرآن في النهي. القرآن أيد هذا الحب وجعله فرضا.

نحن نحب الله ثم الرسول ﷺ فأهل بيته الكرام، وعلى رأسهم الإمام علي . لنجعل هذا الحب إيجابيا وعقلانيا وموضوعيا؛ يجعلنا أصحاب عقل وكفاءات. هل نريد المكافأة في الدنيا والجائزة في الآخرة؟ بالطبع، نعم، وهذا ما يريده الله ورسوله. علينا استغلال ضخ الدوپامين في أدمغتنا تجاه حب الله ومرضاته واتباع محمد وآله. وعلينا أن نعرف ما يقتضي هذا الحب لنصل إلى مرحلة الرضا، ليس رضانا نحن، بل رضا الله ورسوله. رضانا عن أنفسنا لا يعني أي شيء ما لم يكن مرضيا عنه. الله جعل لنا قدوات حسنة في هذه الدنيا وأمرنا بالسير في دربهم. ألم يكونوا أصحاب أخلاق عالية؟ ألم يكونوا أصحاب علم؟ ألم يتعففوا عن الفاحشة والفحش والكلام البذيء؟ ألم يكونوا زينا لدين الله؟

علينا أولا بأخلاقنا، وهذا أمر يقدر عليه الجميع. ثم طلب العلم قدر المستطاع لنرفع هذه الأمة حبا في الله ورسوله وفيمن مَرَضَ في ليلة العشرين الذي لم يَخَفْ ولم يسكن حيث استبشر بالفوز، وأخذ يوصي أولاده وأحبابه في الخير والبركات والتواضع والزهد والعمل في الدنيا بما يرضي الله وينجينا يوم تشخص الأبصار. عظم الله أجورنا وأجوركم في علي وجمعنا الله وإياه على الحوض تحت عباءة رسول الله ﷺ.


1. Brad Stulberg، Steve Magness «2019». The Passion Paradox: A Guide to Going All In، Finding Success، and Discovering the Benefits of an Unbalanced Life. Rodale Books.
سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل