آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:37 م

شهر ضيافة الله «22»

محمد أحمد التاروتي *

الامل العصا السحرية القادرة على تجديد الحيوية في النفوس، خصوصا وان النظرة التشاؤمية تحيل الحياة الى جحيم لا يطاق، مما يعطل جميع الطاقات، والقدرات الهائلة المدفونة لدى البشر، بحيث تتحول النظرة المتفائلة لمختلف الامور الى صفحة سوداء، الامر الذي يولد احساسا داخليا غريبا تجاه العالم الخارجي، بحيث يتبلور على شكل نفور غير مسبوق من المحيط القريب، وكذلك البيئة الاجتماعية، مما يترجم على هيئة استسلام، وخضوع للأوهام والوسواس الشيطانية، سواء من خلال التوجه للإدمان على الكحول، او المخدرات كنوع من الهرب للامام، او الأقدام على الانتحار للتخلص من الانكسار الداخلي.

النظرة التشاؤمية ليست حلا لمواجهة الواقع الصعب، او التجربة المريرة التي كابدها المرء في الحياة، خصوصا وان التحول السلبي تجاه الحياة يخلق حالة من الضياع الداخلي اولا، جراء سيطرة الأوهام بشكل دائم، وكذلك تدهور في العلاقات الخارجي ثانيا، الامر الذي ينعكس على مستقبل الانسان في الحياة، جراء الهزائم الداخلية والانكسار الخارجي، وبالتالي، فان معالجة اليأس يتطلب تأهيلاً داخليا بالدرجة الاولى، من اجل طرد جميع ردات الفعل السبية، كمقدمة لخلق التوازن الداخلي والخارجي، بخصوص اعادة برمجة الاولويات الحياتية، والتحرك باتجاه النظرة الايجابية للحياة، لاسيما وان الامل يحدث تحولا كبيرا في النظرة للحياة، مما يحفز باتجاه التحرك لمقاومة الهزيمة الداخلية، وتحقيق الانتصار في نهاية المطاف.

عملية التأهيل الداخلي لمقاومة الانكسار النفسي، مرتبطة بالإيمان الكامل بتجاوز المحطات الصعبة في الحياة، فالاستسلام ورفع الرأية البيضاء منذ الجولة الاولى، لا يخدم المرء في معركته مع اليأس على الاطلاق، وبالتالي فان الايمان الداخلي بقدرة الانسان على تجاوز المحن، يشكل احد الأسلحة الهامة لترميم النفس المحطمة بقاذئف اليأس، ”وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ? إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ“، بمعنى اخر، فان الوسواس الشيطانية تدفع باتجاه السير الخاطئ، وعدم انتهاج الطريق السليم، مما ينعكس على طريقة التعاطي مع الامراض الشيطانية الخطيرة، بحيث تترجم على شكل الانعزالية التامة عن المجتمع، والتحول من العنصر الفاعل الى الجرثومية القاتلة، نتيجة انتهاج سلوكيات غير سليمة، بعضها مقتصرة على الذات، والبعض الاخر يهدم السلم الاجتماعي.

الامل يساعد المرء على اعادة الامور بشكل مختلف تماما، خصوصا وان النظرة المتشائمة تحجب الرؤية عن اكتشاف الوجه الناصع للامور، مما يدفع باتجاه ارتكاب اعمال متهورة، وغير متوازنة على الاطلاق، بحيث تجلب العار لصاحبها بالدرجة الاولى، وتحدث حالة من الصراع الداخلي، الامر الذي يستدعي السيطرة على النفس، وعدم الانسياق وراء الاهواء والاستسلام لليأس، باعتباره احد الامراض القاتلة نفسيا وعمليا، الامر الذي يقود للتدمير الشاملة للطاقات الانسانية الهائلة، وبالتالي فان التحرك باتجاه الحياة بخطى ثابتة، وعدم الالتفات للوراء، يساعد على ترك اثر ايجابي في النفس، مما يقود لتصحيح المسار الخاطئ باتجاه الخط الايجابي، للتعاطي مع الحياة بالطريقة المناسبة.

المتأمل في خطبة الرسول ﷺ بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك، يجد في ثناياها شحنة كبرى من الامل، وعدم الاستسلام لليأس من رحمة الله، فالخطبة تحث على العمل، والاجتهاد في رضوان الله، لاسيما وان الشهر الفضيل يمثل فرصة لا تتكرر، باعتباره من افضل الشهور، "أيها الناس، إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم ".

كاتب صحفي