آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 4:33 م

تاريخ الحب

رائدة السبع * صحيفة الرأي السعودي

يقال إن الحب هو اختراع حضاري ونحن لسنا في نهاية تطوره، وفي الواقع ربما نكون في أولى الخطوات على تاريخ الحب، ومازلنا نتعلم كيف يمكن أن نكون أكثر براعة فيه.

الفكرة من ذكر تاريخ الحب، هو تذكير أنفسنا أن هنالك سُبلًا مختلفة لتصنيف العلاقات البشرية، وأن البشر لم يشعروا بالحب بالطريقة التي يحبون بها الآن، أو قد يحبون بها مستقبلًا.

عودة للتاريخ، يحكى أنه في سوريا وتحديدًا بمدينة ماري عام 1775، حيث يعيش «زمري لين» ملك المدينة وزوجته «شبتو» أميرة مملكة يامهاد المجاورة، وبعيدًا عن الحب كان هذا الزواج يمثل القوة وهو زواج نفعي تمامًا، إذ سيسمح للملك بتوسيع ثروته ونفوذه للتمدد، قام الملك «زمري» بتزويج ثمان من بناته على ثمانية حكام من المدن المجاورة، ولنفس الأسباب، يعتقد سكان ماري أن الزواج لا يعكس مقدار حب كل من الزوجين للآخر، لكنه مقدار فائدته في مجال التجارة والروابط الاجتماعية والحرب، وهذا يبدو غريبًا بالنسبة لي على الأقل، وذلك لعدم وضع أي اعتبارات للمشاعر التي تعتبر وسيلتنا الوحيدة في الحياة، «أن تحب زوجتك جملة تبدو مضحكة ذلك لوقت».

ننتقل إلى فرنسا 1147 وهناك «جوفري روديل» أحد أقدم الشعراء الجوالين والذين زادت شهرتهم في جنوب فرنسا في القرن الثاني عشر، كتب الشعر في موضوع واحد تحديدًا وهو الحب، ولكن بطريقة استثنائية وجديدة في ذلك الوقت، ألا وهو الحب المنفصل عن أي اعتبارات عملية، والذي لا يتضمن إنجاب الأطفال، أو المال، أو أي نوع من تبادل المنافع.

أخذ الشعراء الحب على محمل الجد بشكل كبير، لكنهم لم يربطوه بالزواج، وتم تعريف الحب الرومانسي آنذاك على أنه الشيء الذي تشعر به تجاه شخص ما، لن تقوم بأعمال المنزل معه، هذا الحب المنفصل عن الحياة الواقعية.

فمثلًا قد يفكر «روديل» وهو الذي وقع في حب ملكة طرابس - في جمالها ملكة - دون التفكير في أنه ستحدث خصومة معها على مكان تعليق اللوحة، وهذا يذكرني بقصيدة ساخرة لصديقي الشاعر حسن السبع عندما وصف قيس وحبيبته ليلى قائلا: ثم انتهى شهر اللباقة «والشياكة» والعسل، وتحالفت ليلى مع الثوم المفصص والبصل، إلى نهاية القصيدة، وتعطلت لغة الغرام وساد في البيت الجدل، إذ إن الاعتقاد أن فكرة السكن وتقاسم المسؤولية تفسد الحب.

أتصور أن الحب ليس انتظارًا لنصف آخر يكملنا أو يبذل نفسه من أجلنا، وإنما كي نمنحه مشاعرنا الطيبة، تاركين إياها تنطلق في مسارها الطبيعي دون اشتراط مقابل، الحب هو الجوهر للحياة الإنسانية وهدفها، بل هو القوة المحركة للتقدم الاجتماعي والأخلاقي ويعد الحب فعلًا إدراكيًا وهو الحقيقة الوحيدة لفهم جوهر الإنسان.

إذن يمكننا تكوين ملامح مذهب إنساني جديد يكون فيه الحب هو المطلق وتخضع لأبعاده جميع القيم والأفكار والتعاليم، نعم حتى الحب عبادة، لأن الإنسان يستعذب كل شيء في سبيل أن يظفر بجوهر الفعل المطلوب.

وأخيرًا، يجب أن نعيّ أن حب الله هو جوهر الحب وصفاؤه فريد في كينونته وبدونه ينعدم سر الوجود.