آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 4:06 م

دروسٌ من غراب

لم يكن على الأرض سوى أخوين في بدايةِ الخلق، لكن أحدهما قتلَ أخاهُ ظلماً وحسداً وتاهَ كيف يتخلص من منظرِ باكورةِ الدمِ المسفوح على الأرضِ، الذي منذ تلك اللحظة لم ولن يجف من السيلان! ولما عجز عن أن يعرف ما يعمل بالمغدور أطلَّ عليه غرابٌ وصار يبحث في الأرضِ ليعلم المجرم كيف في أقلِّ الإحترامِ أن يدفن أخاه ويواري سوأته للأبد. لعله من بعد ذلك اليوم لبس الغرابُ لونَ الخطيئة وصار لونه السواد. أما نحن فعلقنَا خطايانا في رقبةِ الغراب وكلما ضربنا المثل في سوادها وخوفِنا منها تطيرنا بالغراب، كرهناه لأنه غطى سواد خطايانا!

في زمنٍ تتكشفُ فيه سو?ت البشرِ الجسدية والعقلية، لا هم يجدون حرجاً في كشفها، ولا نحن نعرف كيف نغطيها. نحن من يكشف ما استتر منها. كان الشهودُ على خطايا أقوالِ وأفعال البشر بشرٌ يخطئون ويصيبون و”تُدرأ الحدود بالشبهات“، أما ال?ن فصورتك وصوتك يدينك في الانكشافِ على الناسِ دون أن يكونَ لك الخيرة.

في لحظاتِ الضعف نظن أننا لا يرانا ولا يسمعنا أحدٌ غير أنفسنا وإن رآنا أحدٌ فلن يكونَ أقل شيمةً وعفةً وعقلاً من الغراب، يواري سوأتنَا ويسترها، ولأنه إنسانٌ نراه يكشف الترابَ عن خطايانا ويبرزها. لم أرَ غراباً يوماً يحمل آلةً يصور كل مشهدٍ يراه في السرب، أو آلةٍ تحصي كل نَفسِ وكلمةٍ ثم يطير ويبثها فرحاً بين الغربان، ورأيت الإنسانَ يبث خطايا الإنسان.

يقول البشر أن الغرابَ شاء يومًا أن يقلِّد الحجل في مشيته فلم يحسن التقليد ونسي مشيته، لكن الواقع أن البشَ هم من يقلدون، وأول من قلدوا الغراب في دفنِ موتاهم. وأن الغراب يذكرهم بالموتِ في حين أن الغراب يكرهُ الموتَ، ويعيش سعيداً في جماعاتٍ وأسراب، وزوج الغربان يعيشان طول عمرهما مع بعضٍ دون أن يخونَ أحدهما الآخر!

مستشار أعلى هندسة بترول