آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:54 ص

شهر ضيافة الله «25»

محمد أحمد التاروتي *

التعاطي مع الاخر بصفاء السريرة وإخلاص تام، يسهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية، مما يؤسس للتماسك الداخلي ازالة النوايا السيئة، وكذلك القضاء على اسباب التشاحن والفرقة، لاسيما وان تغليب المصالح الذاتية يسهم في اثارة الخلافات، فالبعض يعمد لاستغلال العلاقات الشخصية، لتحقيق المآرب الخاصة عبر استخدام الاخر، كجسر للوصول الى الغايات غير المشروعة والمريضة احيانا، وبالتالي فان السريرة الخبيثة مرض قاتل على جميع المستويات.

سيطرة الشكوك والحذر في العلاقات الاجتماعية، عملية خطيرة للغاية وظاهرة غير صحية، فالمرء مطالب بإبداء النوايا الحسنة لإظهار الوجه الحسن في السلوك الانساني، عوضا من إبراز الجانب المظلم في السلوك البشري، خصوصا وان الريبة والشك تعرقل تعميق العمل المشترك، مما يقود لاصابة العلاقات الاجتماعية بالعطب والتوقف كليا او مؤقتا، لاسيما وان الشكوك تدمر العلاقات الاجتماعية، جراء اتخاذ المواقف غير الصادقة في القضايا الاساسية والمفصلية، بيد ان المرء مطالب باختبار النوايا لدى الاطراف الاخرى قبل كشف جميع أوراقه، فالحذر العقلاني مطلوب على الدوام، بيد ان إساءة النوايا في الاطراف امر غير مبرر على الاطلاق.

النظرة التشاركية مدخل لاحداث تحولات حقيقية، في نوعية العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان الانتهازية تدفع باتجاه إقصاء الاخر، والاستحواذ على الجزء الاكبر من الفوائد، مما يولد انشقاقا عميقا في جدار العلاقات الأخوية، فيما الحالة التصالحية مع الذات تظهر على شكل توزيع المصالح مع الاخر، "احب لنفسك ما تحب لأخيك، بحيث تترجم على غالبية المواقف، تجاه القضايا المشتركة بالدرجة الاولى، مما يعزز الثقة بين الاطراف، ويحدث تماسك معنوي ومادي، غير قابل للانكسار في وجه التيارات العاتية.

ايجاد القواعد المشتركة لتدعيم العلاقات الاجتناعية، عملية ضرورية لرسم مستقبل العمل المشترك، بمعنى اخر، فان التحرك الانفعالي او العشوائي نتائجه تكون متواضعة في الغالب، بخلاف العمل المرسوم والمدروس، فانه قادر على ارساء قاعدة صلبة، في شبكة العلاقات الاجتماعية، مما ينعكس على التنسيق المشترك في جميع التحركات، وبالتالي فان خلق البيئة المثالية للوصول الى العلاقة التكاملية، خطوة اساسية لرسم النظرة المستقبلية.

الاختيار عنصر اساسي في توطيد العلاقات الاجتماعية، فالمرء بحاجة للتمحيص والتدقيق في بناء شبكة العلاقات على الدوام، خصوصا وان السلوكيات الظاهرة تكون احيانا خادعة، واحيانا كاشفة للحقيقة، مما يستدعي التحرك بوعي بعيدا عن الانفعالية، انتهاج الخطوات المتوازنة وغير المتسرعة، لاسيما وان التسرع يترك نتائج وخيمة وغير محمودة في الغالب، وبالتالي فان البحث عن العناصر الصادقة يسهم في وضع الامور في المسار الصحيح، نظرا لخطورة الاستناد الى جدار غير وثيق، فالبعض يحاول الاستفادة من النوايا الحسنة لتدمير الطرف الاخرى، الامر الذي يستدعي وضع جميع الاحتمالات في الحسبان، من اجل تفادي الغدر او الطعن من الظهر.

شهر رمضان بمثابة دورة تأهيلية الهية، من اجل اعادة تأهيل الذات في العلاقة العبادية مع الخالق، فالشهر الفضيل يمتلك القدرة على اخراج السلوك المعوج من النفوس، وغرس القيم الحسنة، مما ينعكس على صفاء الذات مع الخالق، الامر الذي يترجم على شكل سلوكيات خارجية، بحيث تمتد الى مستوى العلاقات الاجتماعية، مما يسهم في التعاطي بصفاء تام مع الاخر وبالتالي المساهمة في تعزيز التماسك النفسي لدى المجتمع، "هو شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله وجُعِلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعائكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإنّ الشقي مَن حُرِم غفران الله في هذا الشهر العظيم".

كاتب صحفي