آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 6:07 م

شهر العافية: 29 - هل الله وهم؟ «ج»

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم -... «11» إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ «12»... - صدق الله العظيم - يس.

في كتابه ”مليارات ومليارات“، يتطرق كارل ساگان إلى أنواع التخزين الحيوية وَسِعَتِها. التخزين الحيوي الأول يقع في شريط من الدي إن إيه «DNA» وطوله يُحَدِّد سعة هذا التخزين من أصغر كائن إلى أرقاه. الدماغ النوع الثاني من التخزين الحيوي. وعندما يفوض الدماغ، يتوجه الإنسان إلى وسائل أخرى للتخزين مثل الورق والوسائط الإلكترونية.

طول شريط الدي إن إيه في الإنسان يقارب 1,3 مليار خانة؛ كل خانة لها قابلية أن تخزن أربعة حروف فقط «A أو C أو G أو T» وذلك على حسب المركب الكيميائي الموجود في تلك الخانة. بما أن البايت «Byte» في أدوات التخزين الإلكترونية عبارة عن ثمان خانات من حرف ثنائي «صفر وواحد»، فيمكننا بحساب بسيط أنْ نصل إلى أنّ شريط الدي إنْ إيه يستطيع أن يخزن 1,5 مليار بايت. لا تشغل بالك بكيفية الحساب؛ ليست مهمة لمتابعة الموضوع.

شريط الدي إن إيه يحمل بيانات «data» وتعليمات «instructions»؛ تعمل هذه التعليمات على البيانات لتستخرج منها معلومات بناء جسم الكائن الحي. أي خلل في البيانات أو التعليمات يؤدي إلى طفرات جينية؛ بعضها يكون في صالح الكائن وبعضها يكون ضده وقد يؤدي إلى أمراض خبيثة تقتل الإنسان أو تجعله ميت وهو حي.

الذين درسوا علوم الحاسوب يعرفون أن جهازهم يعمل بهذه الطريقة إذ يُغذَّى المعالج بشريط من البيانات والتعليمات للوصول إلى معلومات مفيدة. الفايروس الإلكتروني شريط مزيف يزرع نفسه في الشريط الأساسي ليتحكم لاحقا في الجهاز. لغة الحاسوب بدائية جدا، ولكن وبالرغم من بدائيتها إلا أنها احتاجت لمخترع إذ لا يمكن أن تخترع نفسها من لا شيء.

شريط الدي إن إيه مشابه وله لغة أعقد بكثير من لغة الحاسوب، بل هي أعقد من ذلك ولا يمكن حتى تشبيهها بلغة الحاسوب كما يقول السيد چِم في ورقته العلمية ”الحياة أكثر من مجرد كمبيوتر يشغل برنامج الدي إن إيه“ المشار إليها في الهامش.

عمر الكون والصدفة لا يكفيان بأن يأتيا بلغة الجينات المعقدة، وريتشارد دوكنز على علم بذلك، وهذا الأمر اضطره أن يقول إن لغة الجينات تم زرعها في الأرض عبر فضائيين، وكأنه عرَّف الماءَ بعد الجهدِ بالماءِ. هو أذعن إلى أن هذه اللغة بحاجة إلى تفكير وتخطيط مسبق وتطبيق لا يسع له أن يتم إلا بتدخل خارجي.

وبما أنه لا يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة توجه لنقض التوراة في قضية الخلق الدفعي بعيدا عن التطور المطلوب للوصول إلى مرحلة الإنسان؛ ينجاز مع حملة التوراة. حجة دوكنز أن الإنسان معقد جدا ومنها استنتج أنه من غير المعقول أن يكون هناك في الكون ما هو أعقد من الإنسان؟! ولجأ في ذلك إلى علم الإحصاء. مرة ثانية، دوكنز يقع في نفس الخطأ الأول إذ تصور أن خالق الإنسان كيان مادي له شريط من الدي إن إيه أو ما شابه وأن له حدود. فقط للتنويه، نحن البشر صنعنا الحاسوب الذي يفوقنا سرعة بمليار مرة في عملية الحسابات الرياضية.

دوكنز رجع مرة أخرى وقال إن نظرية داروِن للتطور أكثر قبولا للعقل والعلم من فكرة التوراة في الخلق الدفعي واستشهد أن الدنيا ابتدأت بحياة بسيطة تعقدت مع الزمن جراء الطفرات وأن الكائن الذي يستطيع أن يتكيف بعد هذه الطفرات يعيش وسواه يموت، وهذا ما يُسمى بالانتخاب الطبيعي. قول دوكنز مدعوم علميا بالرجوع إلى علم الأحافير، وفي هذا الشيء تسجل له نقطة، ولكن هذا لا يعني أن وجود التطور يُلغي وجود من أوجد هذا التطور وزرعه في سر الحياة؛ الشريط الجيني بلغته المعقدة جدا.

قال أيضا، لماذا انتظر الله كل هذه المدة ليخلق الحياة متأخرا. لماذا لم يبدأها مع بداية الكون ولماذا لم يصنع الكون بدءا ليتناسب مع الحياة. الحاسوب أسرع منا بمليار مرة. في كل مرة تضغط زر في لوحة المفاتيح، ينتظرك الحاسوب مليار دورة. لو حولناه إلى ثواني، فإنه ينتظرك 33 سنة بين ضغطة كل زر وأخرى؛ حينها ينكر الحاسوب أن من يكتب عليه موجود لأن فعله بطيء جدا. الحاسوب قاسنا بزمنه ومن ثم حكم علينا. دوكنز حَدَّ الله بزمنه. أولا، الله لا يحد بزمن. ثانيا، وإن كان له زمن، فإنه ليس من الشرط أن يتوافق مع زمننا كما لا يتوافق زمننا مع زمن الحاسوب؛ الابتكار البسيط الذي صنعناه بسبب تعقيد أدمغتنا الأكثر تعقيدا من الشريط الجيني الذي إلى الآن لم نستطع كشف أسراره.

سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل