آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

شكاية البحر.. طبعة جديدة

ليالي الفرج * صحيفة الرأي السعودي

لا تفارق لغة الأمثال الشعبية المرتبطة بحياة المناطق الساحلية مشافهات الناس، وكأنّ للماء لسانًا يُفصحُ العَجماء، بل هو كذلك، حتى يكاد أن يتجاوز لغة المجاز ويسكن لغة الحقيقة.

وفي لساننا الخليجي الشعبي، لا أظن أن أحدًا لم يسمع، إنْ لم يسمع ويقول: «وِشْ لكْ بالبحرْ وأهوالهْ، ورزقْ الله على السِّيْفْ»، بسين مشدّدة ومكسورة.

لكنّ المفارقة أنّ هذا السِّيْفْ لم ينكسر يومًا، حتى وإن أخذت أعاصير الثلاثينيات وما قبلها، وما بعدها، ما أخذت من سفن الغوص التي عشقها أهل الخليج العربي مع ما في المهنة من مشقة كبيرة وأخطار أكبر، حتى عبّرت عنه المقولة الدارجة بأنها أهوال.

ومع هذا كلّه، كان البحر كريمًا، وكان أهل البحر مخلصين وأوفياء له، حتى وهم يواجهون ما لا يحتمل من المشاق والكوارث في غمراته ولججه.

أمّا ما يشكو منه البحر في زماننا فكثير، فمن أقسى ما تواجهه بحارنا هو الصيد الجائر الذي تتعرض له، والخليج العربي مثال دقيق لهذه التجاوزات التي تنتهك موارده، كمسطح مائي متميز بمخزونه الحيوي الكبير من الأسماك والكائنات البحرية، نتيجة لعمقه المحدود، مما يوفر له وصول كمية ضوء كبيرة إلى مجمل أعماق المحيط الحيوي الذي يمثله، لكن مساحته محدودة نسبيًا، مقارنة بالبحر الأحمر.

إنّ الصيد الجائر أنقص المخزون الحيوي للأسماك بنسبة 70 في المائة، قبل حوالي 7 سنوات، بسبب استخدام وسائل صيد مخالفة ومنها: الشبك ذو الثلاث طبقات، بالإضافة إلى ما تمارسه بعض سفن الصيد في مواسم صيد «الربيان»، بتجريف طبقة الطين البحرية، وتقتلع المراعي العشبية بعدم اكتراث أغلب العاملين في السفن، الذين هم من الوافدين.

ومع أن هناك إجراءات منظمة للصيد أوجدتها وزارة الزراعة عبر فروع الثروة السمكية فيها وفرض آليات الصيد الرشيد، إلا أن المتابع للسوق المحلي يجد نقصًا في الأنواع والكميات المعروضة، وهذا استدعى استيراد كميات كبيرة من بلدان مثل الهند وغيرها.

ومع أنّ شركة أرامكو توجهت في 2016 لمشروع الاستزراع السمكي الكبير لتعويض فارق المخزون السمكي، إلا أنّ المشروع لم يستعرض إعلاميًا أي نتائج للمراحل التي قطعها حتى هذا اليوم.

واليوم هو اليوم العالمي للمحيطات، حيث تحتفل به الأمم المتحدة سنويًا في 8 يونيو، باعتبار المحيطات تُعَدُّ الرئة الضرورية في تزويد الأرض بالأكسجين.

إننا بحاجة إلى استراتيجية ترفع مخزوننا البحري، وتوقف تجريف البحار ودفنها، والمسافر له في البحر طريق، على حدّ المقولة البحرية.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.