آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

حرب الأطعمة

محمد أحمد التاروتي *

الاعلان شبه اليومي على مصادرة أطنان من الأطعمة الفاسدة، او مجهولة المصدر، يكشف وجود حرب ضروس تقودها الجهات الرقابية، على مختلف الجبهات ضد المنشآت، بغرض تنظيف السوق من البضائع الفاسدة، وحماية المستهلك والحفاظ على الصحة العامة، نظرا للارتباط الوثيق بين سلامة المستهلك، ونوعية الأطعمة المعروضة في الاسواق.

استمرار الحرب المستعرة بين الجهات الرقابية، ومختلف المنشآت ذات العلاقة المباشرة او غير المباشرة، يعطي دلالة على صعوبة السيطرة على الموقف، واتساع دائرة الاستخفاف بالصحة العامة، نظرا لتجاهل العديد من المنشآت للالتزام بالاشتراطات، والمواصفات المتعلقة بجودة المنتج، الامر الذي يوحي باستمرار هذه الحرب على اكثر من جبهة على مدار العام، وبالتالي فان الحديث عن انتهاء الصراع القائم بين الطرفين مستبعد، واشبه ما يكون بالخيال، نظرا لوجود تباين كبيرة في الرؤى، بشأن ادارة الحرب القائمة بين الطرفين.

هذه النوعية من الصراعات ليست جديدة، ومستمرة منذ القدم، خصوصا في ظل الاطماع البشرية غير المحدودة، والساعية للانقضاض على أموال الاخرين، بطريقة غير اخلاقية، فانعدام الوازع الديني والاخلاقي، يدفع باتجاه استخدام الطرق المختلفة، لتعظيم الأرباح، لاسيما وان البعض لا يلقي بالا في طريقة الحصول على الارباح، سواء بطرق قانونية او غير شرعية، مما يفرض استخدام الوسائل الرادعة، للحد من انتشار الأطعمة الفاسدة، والسلع الرديئة، نظرا للاثار التدميرية الناجمة عن سيطرة هذه البضائع، على الجزء الاكبر من السوق، وبالتالي فان محاولة التقليل من الجهود المبذولة، لمقاومة ثقافة الربح غير الاخلاقي، ليس صائبا على الاطلاق.

الضبابية في الموقف تجاه بعض الجهات المروجة للأطعمة الفاسدة، تشكل محفّزا بطريقة او باخرى للجهات الاخرى، لانتهاج ذات المسلك الخاطئ، واحيانا ابتكار اساليب متعددة للهروب من الرقابة، لاسيما وان الموقف الحازم والقوي قادر على ردع الاخرين، فيما التذبذب والتراخي في اتخاذ الاجراءات الصارمة، يعطي إشارات مشجعة للبعض للانخراط في مسلك ترويج السلع الرديئة، وبالتالي فان الجهات الرقابية تتحمل جزء من مسؤولية اطالة امد الحرب الدائرة بين الطرفين، خصوصا وان الصراع القائم يتمحور في الحفاظ على الصحة العامة.

وجود الصلاحيات اللازمة لتجريم الجهات المحرضة على الصحة العامة، يمثل احد الأسلحة المساعدة على توجيه ضربات موجعة في الحرب القائمة، لاسيما وان بعض المنشآت لا يجد في بعض العقوبات المطبقة رادعا، للكف عن مواصلة الاضرار بسلامة المستهلك، نظرا للأرباح الكبيرة المترتبة على الاستمرار في سياسة الترويج للسلع الفاسدة، وبالتالي فان الجزاءات الكبيرة تمثل احد الأسلحة الاكثر فتكا، بهذه النوعية من الممارسات التجارية غير الاخلاقية.

الوقوف خلف الجهود المبذولة، لتوجيه الضربات القاصمة للجهات الداعمة، لتسويق الأطعمة الفاسدة، ينم عن وعي اجتماعي وقدرة على توجيه البوصلة في الاتجاه الصائب، لاسيما وان الجهات الرقابية بحاجة الى الدعم القوي لمواصلة مشوار الحرب الطويلة، وبالتالي فان تقديم الدعم لا يقتصر على التشجيع، ومباركة هذه الجهود الجبارة، بقدر ما يتمثل في زرع ثقافة المسؤولية، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، من خلال تقديم المعلومات اللازمة، للكشف عن الممارسات الكثيرة، التي تنتهجها بعض المنشآت للترويج عن البضائع الفاسدة.

حرب الأطعمة تمثل احد الوجوه البارزة، في الصراع بين الجشع البشري والالتزام الاخلاقي، خصوصا وان النفوس المريضة تدفع باتجاه استخدام الطرق الاجرامية، لاستيلاء على أموال الاخرين، بوسائل غير قانونية، وبالتالي فان ترويج السلع الفاسدة ترجمة عملية للسرقة، وجني الارباح بوسائل مخادعة.

كاتب صحفي