آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

الأخذ بآراء الآخرين

ياسين آل خليل

السواد الأعظم من الناس يلازمهم خوف من أن يخرجوا من إطار العُرف المجتمعي، ويصبحوا تحت طائلة حكم الناس عليهم، وهذا أمر مفهوم. لا أحد يرغب أن يكون منبوذًا بين أهله وقومه، لمجرد أنه خرج بعض الشئ عن المألوف، أو ما يُعتقد أنه لا يتماشى مع الإطار المجتمعي العام والتركيبة الذهنية السائدة. هذا الخوف، تكوّن على مر السنين حتى اتحد مع حمضنا النووي، وصار جزءًا لا يتجزأ من التكوين الداخلي لنا كأفراد.

عليك أن تتخيل أن قراراتك وتصرفاتك وأفعالك، جميعها تحكمها آراء أفراد، ربما لم تقابلهم مطلقا في حياتك، ولم يجمعك بهم حديث البتة. إذا كنت تهتم كثيرا بآراء الآخرين، فما عليك إلا أن تسلّم الخيط والمخيط إلى هؤلاء وتجعل أمورك مرهونة لديهم، يزكوها كيف ومتى شاءوا. ألا يحلو لك هذا؟ في هذه الاستهلالية دعني أطرح أنموذجًا حيًا لما تحدثت عنه للتو، وهذا من باب المثل لا الحصر، الكثير من الزيجات التي تحصل اليوم، هي في أغلبها نتيجة طبيعية لما تم مباركته من قبل أفراد من المجتمع، ولو لم تتم تلك المباركة، فالنتيجة معلومة مسبقا لدى الجميع. هذه ليست خرافة ولا أسطورة، هي واقع مُعاش يُعْمل به إلى وقتنا الحاضر.

تصور، قرارات بهذا الحجم، تُتّخذ بناءً على تزكية أفراد من المجتمع، ربما لا يمتلكون الجزء اليسير من الدراية والمعرفة لإدارة أمور حياتهم اليومية، وما أدراك من مشاكل أخرى شخصية وأسرية لديهم، باتوا عاجزين عن حلها. المشهد الحالي باختصار، أنك أنت وغيرك من الناس، قد خلقتم من هؤلاء الأفراد مرجعية، تستقون منهم الحكمة في اتخاذ قرارات مصيرية، من الأولى أن يتدارسها، أناس أكفاء من الأسرة والأصدقاء، الذين ترون فيهم الوعي الكافي والمعرفة للقيام بهكذا مهمات، علاوة على أنهم الأقرب ممن تثقون بهم، ولكونهم يتمنون لكم ولأسركم الخير والنجاح والتوفيق.

المواقف كثيرة ومتعددة ولا تقف عند هذا الإنموذج أو غيره، والتي تكون فيها القرارات متجذرة أصلا في طريقة تفكيرنا، وما تحمله من ارتباط وثيق بآراء المجتمع، ودون أن نضع رأينا في المقام الأول. هذا أمر خطير للغاية، لأن ما نفعله في الواقع، هو قمع لمشاعرنا، والاستهانة بما نمتلكه من قدرات وخبرات حياتية، مقابل تقديس رأي الآخر، بإعطائه مساحة عريضة من الحرية في أن يتدخل في أمور شخصية لا تمت له أو لغيره حتى التعرف عليها عن بعد، فكيف بالتصرف بحرية وكأنما هو صاحب الشأن أولًا وأخيرا.

عندما تكون الآراء غير صائبة أو منحازة، فإن مضارها بالطبع تقع على الطرف الطالب للمشورة، لا على الذي يبدي النُصح ويُؤخذ برأيه، وهنا تتضح خطورة الموقف. صحيح أن آراء الآخرين هي محل تقدير، عند طالب المشورة، لكن هذا لا يعني صوابية التصرف بأي حال من الأحوال. إذا كان من يُستشار تتوفر في شخصيته الشروط الوازنة، من علم وحلم ودراية وحكمة ومعرفة بالناس وقدرة وإلمام بالمشاكل التي يمر بها المجتمع، وأن لديه من الخبرة التراكمية في حل تلك المشاكل الكثير الكثير، فهذا أمر محمود ولا غبار عليه.

في المقلب الآخر، لا يريد أحد أن يكون أضحوكة في نظره قبل الآخرين، وكأن ذلك الفرد لا يملك الحد الأدنى من القدرة على اتخاذ قراراته بنفسه. أمرٌ رائع أن تستشير وأن تضيف آراء الآخرين إلى آرائك، لكن أيضا، من الأهمية بمكان أن تكون الأولوية للعائلة وبعض الأصدقاء المقربين، شرط أن لا تميل كفة الخارج على الداخل.