آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 6:58 ص

الصراحة راحة

المهندس أمير الصالح *

في حياتتا العملية والمهنية تتماطر سماءنا بين الفينة والاخرى جملة او زخات من الاعذار التي تطرق اسماعنا ليل نهار في اماكن العمل والديوانيات والمجالس و... الخ؛ وفي المجمل، تلك الاعذار هي لغة تسويف او تطنيش او هروب للامام او تهرب من المسؤولية دون اي معالجة جذرية لمشكلة ادارية او معظلة تربوية ما. واورد هنا بعض تلكم الاعذار المتداولة:

- اذا كانت تعمل لا تصلحها

- الزمن كفيل بعلاج اي مشكلة

- المشكلة ستحل نفسها بنفسها مع الوقت

- سيتوقفون العمال في النهاية عن القيام بالشكوى

- هناك أشياء أكثر أهمية من هذا الموضوع للتركيز عليها

وهكذا مبررات في التسويف او التطنيش. في الغالب ينتج عن تلكم الاعذار والتطنيش بروز ممارسات غير مهنية وقد انتقلت هكذا موجات من الاعذار في عدة بقاع من العالم الصناعي والغير صناعي، لا سيما في منطقتنا العربية والخليجية، وافرزت نتائج وسلوكيات غير محببة للنفوس السوية.

عدة مدارس محلية ادارية، تلوح افق اجادة المماطلة والتسويف في حل المشاكل او ترحيلها؛ ولا يتفاجئ المراقب اذا ما انفجرت عدة مشاكل في آن واحد في هذه الشركة او ذاك المجتمع او تلك الاسرة او النادي. واجلى مظاهر نتائج صور التأزم في مجتمعاتنا العمالية والمهنية والقطاعات الصناعية هو لجو الاغلبية الى التقاعد الجماعي المبكر او الاستقالات الجماعية نتيجة لاحباطات التجاهل الاداري او التطنيش المتعمد لعدم سماعهم او حدوث التغييرات المطلوبة لاقرار عدالة او تفعيل حلول عملية. وهذا عين ما شخصه الكاتب Dave Bailey للمقال المترجم بقلم ا عدنان الحاجي ”How to Deliver Constructive Feedback in Difficult Situations“ بقوله ”وبطبيعة الحال، فإن تأخير المحادثة الفعالة والشفافة والصريحة يجعل الأمور والعلاقات أكثر سوءًا وفي حالة توتر دائم. وفي بعض الأحيان، يؤدي ذلك الامر إلى أزمات.“

قيل في الادب العربي ان ”الصراحة راحة“ والواقع يؤكد ذلك المعنى ويؤكد ان التسويف في عقد حوار / حوارات صريحة قاتل لتحقيق الحلول وهدم لانجاز الطموحات ومسرع لتآكل الانجازات على جميع المستويات الاسرية والمجتمعية والوطنية والتعليمية والصحية والاقتصادية.

في مقال ترجمه الاستاذ عدنان بعنوان ”How to Deliver Constructive Feedback in Difficult Situations / كيف توجه ملاحظات بناءة في المواقف الصعبة. https://adnan-alhajji.blogspot.com/2019/06/blog-post_48. html?m=1“، نقلته لبعض الاصدقاء بقصد التذاكر واوردت لهم بعض الامثلة في زيادة العنف الاداري وتحطم طموح الكثير من الموظفين او العاملين او حتى المتطوعين بامثلة واقعية معاصرة في مجتمعات محيطة او محاورة:

مظاهر عدم استشعار مشاعر الاخرين في مناطق العمل وكمثال نورد التالي: ان الموظف المشتكي لسوء تقييمه السنوي عندما يتقدم بطلبه لعقد جلسة حوار يبادره رئيسه او ممثل مكتب الموارد البشرية بالسؤال الارتدادي للمتظلم عن عدد السنوات المتبقية عليه لبلوغ سن التقاعد المبكر؟!. وهذا السؤال الارتدادي يبطن النيه في تطفيش الموظف وقتل طموحه وتحجيم افاق اماله، وهذا مناف لاخلاقيات العمل المحترم وقواعد السلوك الاداري الممارس عالميا.

من الجيد المصارحة المبكرة في افق المسيرة المهنية لكل موظف لتتم عملية انكشاف الاقنعة واعادة استثمار العمر المهني للموظف بطريقة اكثر فاعلية في مكان عمل اخر او بيئة عمل افضل او قطاع مهني انسب!! والكشف المبكر عن طبيعة العلاقة في مكان العمل بين الموظف ورؤوساءه مهم للغاية تفعيلها لشد العلاقات الداخلية والاجتماعية والوطنية ولبناء اكثر تماسكا.

قد يتساءل شخصا ما:

هل الصراحة في كل الاوقات تخلق راحة ام ان الصراحة بعض الاحيان تجلب مشاكل جمة وتجلب اعداء كُثر؟ بشكل عام من الجيد التمييز بين الصراحة والوقاحة عند الحديث مع الاخرين وحتى يكون الانسان مقبول ومحط انتباه؛ وان لا يقحم المتكلم نفسه بكلام خشن او مفردات مبتذلة تحت عنوان الصراحة والشفافية. كما ان على المتكلم ان يعمل فلتره للمفردات الكلامية قبل خروجها من لسانه لا سيما في اوقات النقاش المتعسر او الخشن، وان يتجب اطلاق احكام عامة ولا يرفع نبرة صوته امام الاخرين وان يحاول ايصال فكرته او توصيف حالة تذمره / سخطة / امتعاضه بالفاظ منتقاه واسلوب ايجابي.

وتذكر اخي القارئ لايعني انك عندما تكلمت بكامل الصراحة انك ستجلب لك الموافقة من جميع الاطراف الاخرى بالايمان بنفس فكرتك، ولكن حتما ستكون اكثر ارتياح نفسي من تبعات كبت نفسك امام هول مايقع بك من تطنيش او تطفيش او مراوغة ادارية او اسقاط حقوق ك الترقية او حجب انتداب او تجميد زيادة مالية مستحقة او حق المشاركة في صنع قرار او تفعيل عضوية. فالكبت النفسي واخراس الصراحة في عمومه مهلكة للشخص وضرر على المجتمع ولو بعد حين.

قد لا تستطيع مواثيق الشركات او المجتمعات محاكمة المدلسين والمخادعين المحترفين في اي فرية اخلاقية بسبب عدم تكافؤ ميزان القوى او تلبسهم لباسات مختلفة، لكن لحالات المكاشفة والشفافية والصراحة الرازنة آثار أخلاقية كبيرة جدا في كشفت همجية او استبداد او تناقض او استحواذ البعيد عنا ذاك المتسلط / المتسلطة سواء على المجتمع او الشركة او الدائرة او الحي، وستغير الصراحة الصورة المرسومة في أذهان الكثيرين من البسطاء المخدوعين وستاتي الصراحة باُكلها ولو بعد حين.